إذا ما اشتد بأهل المدينةالمنورة صخب «المدينة» وأصمت آذانهم ضوضاء المركبات، وضاقت أنفسهم ذرعاً بضيق الشقق وأركان الحجرات، فإن متنزه «البيضاء» يكون مقصد أهالي المنطقة، والملاذ الأمثل والمكان الأجدر لإزاحة أتعابهم، ونسيان همومهم، وراحتهم من كل ما ذكر. ويعتبر متنزه «البيضاء» الواقع على بُعد 30 كيلو متراً تقريباً من المدينةالمنورة (شمال غربي المسجد النبوي الشريف)، رئة المدينة التي تتنفس، ويقصده أهلها وزوارها. واكتسب المتنزه هذه الصفات لوجوده في منطقة حوضية جبلية رائعة تمتاز بسر جمالها وأشكال جبالها المحيطة، وارتفاع أرضيتها وبرودة أجوائها وجمال تربتها وأشجارها الطبيعية التي غالبيتها من السلم والسمر. ويقصد سكان المدينةالمنورة «متنزه البيضاء» بصفة مستمرة، ويزداد الإقبال خلال فترة الأعياد والعطلة الصيفية، إذ يبدأ قاصدوه بنصب الخيام ونقل الأمتعة من أجل المكوث والإقامة أيام عدة، هرباً من صخب وضوضاء «المدينة» مستمتعين بالمناظر الطبيعية الخلابة والجميلة وقضاء أجمل الأوقات برفقة الأسرة، إضافة إلى الممارسات الشيقة والممتعة التي تظهر إبداعات الشبان المختلفة، حينما يلجأ بعضهم إلى تحجير مركباتهم وذلك برفع المركبة بالرافعة ووضع الأحجار أسفل منها، لتشاهد عقب الانتهاء من عملية التحجير لوحة فنية. وأخذ المتنزه في الآونة الأخيرة شهرة تجاوزت المحلية إلى العالمية، وأصبح مقصد المعتمرين وزوار مدينة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذين بدأ إقبالهم يتزايد عليه، بعدما كثر الحديث أخيراً حول ظاهرة غريبة تحدث على الطريق المؤدي إلى «البيضاء»، وتتمثل في أن المركبة تسير ذاتياً نحو المنطقة المرتفعة أي عكس الجاذبية في حال كان الوضع إلى المنحدر، ومن أجل هذه الظاهرة يقصد المعتمرون والزوار المتنزه. واستغل أصحاب الحافلات وسائقو المركبات الخاصة هذه الظاهرة وعملوا على الترويج لها بين وفود المعتمرين والزوار بهدف اصطحابهم إلى المنطقة بمبالغ باهظة تتراوح ما بين 100 إلى 150 ريالاً بالنسبة للمركبة الخاصة، أما الحافلات فتتراوح فئة أجرتها ما بين 20 إلى40 ريالاً للشخص الواحد. «الحياة» ذهبت إلى هناك، لرصد آراء الموجودين في الموقع المذكور، وبالفعل وجدت أناساً يجرون التجارب المختلفة لما يلفت أنظار مرتادي متنزه البيضاء، ومنها سكب الماء على الطريق، إضافة إلى تجربة سير المركبة عكس الموضع المنحدر، ووجدت أن الموقع يشهد ازدحاماً خلال الفترة الصباحية، خصوصاً في عطلة نهاية الأسبوع. القاصدون للموقع المشار إليه غالبيتهم من المعتمرين من دول (باكستان وتركيا وإندونيسيا وغيرها من الدول الآسيوية، ودول الخليج) واتضح أن لدى معظم المعتمرين علماً وخلفية عن الموقع مسبقاً، فيما بحوزة البعض خريطة للموقع تعرفه عنه باسميه (وادي الجن - وادي البيضاء). وعن اتهام أصحاب المركبات والحافلات بالترويج لظاهرة سير المركبة عكس الاتجاه المنحدر وبعض «المقولات» عن المتنزه، دافع فهد الذبياني (سائق حافلة) عن زملائه وقال: «أولاً إن الظاهرة حقيقية وواقعية وتحصل بالفعل، وعلى رغم ليس أصحاب الحافلات هم من روجوا لها، أما إقبالنا على اصطحاب المعتمرين إلى الموقع من أجل مشاهدتهم الظاهرة الغريبة التي تحدث في هذا الموقع هو برغبتهم. وليس بعيداً عن الشائعات والاتهامات، فإن بعضاً من أصحاب المركبات وجدوا في اللجوء إلى سرد الروايات والقصص الخرافية عن الموقع مصيدة سهلة نصبها للفت انتباه الركاب وزيادة عددهم، وهم يسعون من وراء الروايات والقصص إيجاد أكبر رواد من الزبائن لتحميلهم بغية الظفر بعائد مالي أكبر مقابل نقلهم. هذا المسلك استرعى انتباه مجموعة من المواطنين طالبوا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المدينةالمنورة بالتدخل لوضع حد للذين يروجون ويحتالون على المعتمرين بقصص خرافية لا أساس لها من الصحة وليست من العقيدة في شيء. وقال المواطن حسين إدريس ل«الحياة»: «على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التجول لتوجيه الموجودين في المتنزه، أو وضع لوحات إرشادية منعاً لاستغلال المتعمرين من أصحاب المركبات والحافلات، كما يأتي دور فرع وزارة الحج في المدينةالمنورة في مثل هذا الشأن من خلال توعية بعثات الحج المختلفة في إرشاد المعتمرين كي لا يقعوا ضحية الاستغلال». بدوره، يرى رئيس الجمعية السعودية للعلوم «الجيولوجية» الدكتور عبدالله العمري أن ظاهرة تحرك السيارات عكس اتجاه «المنحدر» تحدث في الغالب وتسمى ب «الجاذبية العكسية»، «واكتشفت مثل هذه الظاهرة في مناطق سعودية عدة وتحديداً في منطقة عسير وفي منطقة نجران، وهي من الظواهر الطبيعية التي تحدث في المناطق الجبلية». وتابع الدكتور العمري «تعود الأسباب في مثل هذه الظاهرة إلى التكوينات الصخرية للمنطقة ما يحدث استنفاراً للجاذبية بمعنى أن الجاذبية تدفع بالجسم بدلاً من جذبه».