بغياب الكاتب المصري أسامة أنور عكاشة، الذي وافته المنية أمس عن 69 عاماً، انطوت صفحة مهمة في كتاب الدراما التلفزيونية العربية، اتسمت بتميز المستوى الفني، عبر خيال راق وانشغال عميق بقضايا تؤرق النخبة والعامة على حد سواء، ورواج كبير في الوقت نفسه، لتتحقق بذلك «المعادلة الصعبة»، ما بين الرواج والقيمة. ونظر كثير من النقاد، ومنهم الراحل علي الراعي، إلى عكاشة باعتباره رائد ما يسمى «الأدب التلفزيوني»، خصوصاً بعد مسلسليه «الشهد والدموع» و «ليالي الحلمية» اللذين لا تزال فضائيات عربية كثيرة تكرر بثهما بعدما فتحا الباب أمام إنتاج الأعمال الدرامية التلفزيونية المتعددة الأجزاء. وطوال مسيرة عكاشة الإبداعية ظل التلفزيون ساحة تميزه الأساسية، فمحاولاته خارج هذا الوسيط التي تمثلت في ستة أفلام أشهرها «كتيبة الإعدام»، ومسرحيات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وقليل من الإصدارات الأدبية أولها مجموعة قصصية صدرت العام 1967 تحت عنوان «خارج الدنيا»، لم تحظ بالقدر نفسه من النجاح الذي حققه عبر الشاشة الصغيرة. وبعيداً من الكتابة الدرامية التي كان يفضل ممارستها في مسكنه الخاص في الإسكندرية في أوقات معينة من العام، انشغل عكاشة خصوصاً في السنوات العشر الأخيرة من عمره بكتابة المقالات الصحافية والظهور في الفضائيات للتعبير المباشر عن آرائه المناوئة للتطبيع مع إسرائيل وعجز جامعة الدول العربية، وللمد الأصولي والانفتاح الاقتصادي وحتى ما سماه «الفتح الإسلامي لمصر»، ما أدخله في خصومات مع بعض رموز نظام الحكم في بلده ومعارضي ذلك النظام في الوقت نفسه، بل امتدت تلك الخصومات إلى دول عربية أخرى كان ينتقد سياساتها. عمل عكاشة في وظائف صغيرة عقب تخرجه في كلية الآداب في جامعة عين شمس العام 1962 حتى قرر التفرغ تماماً للكتابة بدءاً من العام 1982. بدأ مسيرته الأدبية بكتابة القصة القصيرة، ثم الرواية، وكتب كذلك للمسرح، لكنه ظل كاتباً مجهولاً حتى بدأ عرض مسلسل «الشهد والدموع»، وهو عمله التلفزيوني الثاني بعد مسلسل «المشربية». وأغرى النجاح الساحق الذي حققه «الشهد والدموع» عكاشة بأن يكتب جزءاً ثانياً منه، نال أيضاً شهرة واسعة، فكتب بعد ذلك عمله الملحمي «ليالي الحلمية» في خمسة أجزاء. ويبلغ عدد الأعمال التي كتبها عكاشة للتلفزيون 40 مسلسلاً تعاون فيها مع عدد من المخرجين البارزين مثل إسماعيل عبد الحافظ ومحمد فاضل، كما تعاون مع عدد من أهم نجوم التمثيل مثل فاتن حمامة التي قدمت مسلسل «ضمير أبلة حكمت» وسميرة أحمد التي قدمت مسلسل «أميرة من عابدين»، وآخر مسلسلاته هو «المصراوية» الذي عرض الجزء الأول منه في العام 2007. وحصل عكاشة على جائزة الدولة للتفوق في الفنون العام 2002، وفي العام 2008 حصل على جائزة الدولة التقديرية في الفنون أيضا،ً وليس في الأدب، مع أنه كان أديباً متميزاً وليس مجرد كاتب سيناريو.