تسجل حارات وأزقة جدة القديمة، التي لا تزال تحتفظ بروحها وعبق تاريخها في الأبنية الشاهقة، وهي تقف في قلب المنطقة التاريخية، شهادة على النواة الأولى التي انبثقت منها واحدة من أهم المدن التجارية في تاريخ المملكة والشرق الأوسط. في حارة الشام، وتحديداً في شارع أبو عنبة، يقف معمار أخضر شامخاً بين أبنية المنطقة، على باب المبنى لوحة نُحتت عليها آية قرآنية، وأرّخت اللوحة في العام 1301 للهجرة. ويُسمى هذا المعمار «بيت الرشايدة»، نسبة إلى بانيه محمد عبدالرشيد، ويتكوّن من أدوار عدة، وأوقفه الرشيد علي العثماني في العام 1333ه، بيت الرشايدة أو البيت الأخضر من أجمل البيوت التراثية وسط جدة القديمة، ويعود عمره إلى أكثر من 150 سنة. وتعود تسمية البيت إلى قبيلة الرشايدة التي ينتمي إليها بانيه وموقفه، وهي من القبائل المهاجرة من الحجاز وإليه. إلا أن ملكية البيت الآن تعود إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية. ولأن البيت خلال الستينات الميلادية من القرن الماضي، احتضن نشاطاً أكاديمياً، تحول الآن وبفضل أحد فنّاني جدة إلى «أكاديمية حديثة»، بعدما استأجره من «الأوقاف» التشكيلي هشام أحمد بنجابي، وحوّله إلى أكاديمية مختصة بالفنون، بعد عملية إعادة ترميم استغرقت أكثر من عام متواصل من العمل الدؤوب والمستمر. وعن توظيفه بيت الرشايدة، قال بنجابي ل«الحياة»: «عندما استأجرت البيت كانت رغبتي أن يكون مرسماً لي ولزوجتي هند نصير، وهي فنانة أيضاً، وأن يبقى اسمه كما هو معروف، ولا يكون باسمي الشخصي». وحول التشكيلي هشام البيت إلى أكاديمية فنون، تضم لوحات عدة عن تراث المدينة إضافة إلى إقامة الدورات الفنية، باعتبارها رافداً وعامل جذب سياحي للمنطقة التاريخية في جدة، وجعلها منطقة حية وفعالة طوال العام ومزاراً لمحبي الإرث الفني والثقافي. ويضم الدور الأول عدداً كبيراً من المقتنيات والتراث الخاص في مدينة جدة، إضافة إلى عدد من لوحات بنجابي وشهاداته والأوسمة التي حصل عليها، وكذلك بعض اللوحات الفنية لأبرز الفنانين. أما الدور الثاني فهو خاص بأعمال الفنانة هند نصير، كما تضم الأكاديمية كتباً ومراجع تهم جدة وأهلها. وأشاد رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الأمير سلطان بن سلمان بالأكاديمية، وما تضمّه من محتويات، وطلب تبنّي الدور الثالث من الهيئة العامة للسياحة، وتقديم الدعم لكامل المبنى. وأضاف بنجابي: «أعمل حالياً على إقامة ورش عمل فنية في البيت، وحصلت على تصاريح من الجهات المسؤولة لدعوة فنانين من جميع دول العالم لإقامة برنامج للتعريف بجدة التاريخية وإرثها الحضاري».