رسم أسطول الحرية الى قطاع غزة وموقف اسرائيل منه صورة للخير والشر لا أوضح منها أو أدق أو أكمل. قرابة عشر سفن وأكثر من 700 داعية سلام، نشطون من شبان وشيوخ. أعضاء جمعيات خيرية. حوالى 35 نائباً أوروبياً. صحافيون مغنون. كتّاب. يهود من طلاب السلام، رسام اسرائيلي سابق. السفن حملت أغذية وثياباً ومواد بناء وبضائع أخرى لأهل القطاع الذين يقيمون في معسكر اعتقال نازي في الهواء الطلق تحرسه اسرائيل منذ عقود. بعض أبرز قادة الفكر حول العالم يؤيد الأسطول، وتركيا رفضت طلب اسرائيل وقفه، وميريد ماغواير الفائزة بجائزة نوبل للسلام كتبت رسالة الى أهل غزة تحيي فيها انتصار صمودهم في وجه العذاب، وتعلن تضامنها مع أسطول الحرية. في الجانب الآخر، جانب الشر، هناك دولة اللصوص والإرهابيين وسلاح بحرية يحاصر النساء والأطفال، واعتذاريون من مستوى نازي. مثل يكفي أو اثنان، الإسرائيلي دان مارغاليت كتب في «اسرائيل هايوم» مقترحاً أسطولاً مضاداً (أسطول سلام ضده اسطول احتلال وحرب)، وقال ان السفن تظاهرة ضد اسرائيل هدفها ان تلقي عبئاً على البحرية (المسكينة التي لا تفعل سوى صيد السمك) بإظهار أن الوضع في غزة لا يطاق (كما ان المدافعين عن جرائم اسرائيل لا يطاقون)، فهذا هو هدف الأسطول الذي نظمته عناصر معادية لإسرائيل (من دون أن ننسى هدفها الآخر وهو حمل مواد غذائية لشعب تحت الحصار). ويقترح مارغاليت بعد ذلك ان ينظم مواطنو اسرائيل أسطولاً مُضاداً لأن لا يجوز أن يُخلُوا الميدان لمؤيدي الإرهاب الفلسطيني الذين لا يسألون عن صواريخ القسام وسديروت، والسجن الرهيب لجلعاد شاليت. أعترف بأنني توقفت عن القراءة بعد ذلك لأنني لم أتحمل غوبلزية الكاتب، فكلامه في حقارة الفكر النازي أو أحقر، حتى انني لا أستبعد أن يكون غفل عن المحتوى النازي لمقاله. سديروت يسكنها مجرمو حرب سرقوا أراضي الفلسطينيين، ونحن ما كنا سمعنا عنها أو عن أي صواريخ أو ارهاب لولا سرقة فلسطين من أهلها، واستمرار القتل والتدمير. أما شاليت فواحد يقابله عشرة آلاف أسير فلسطيني في سجون النازيين الجدد الإسرائيليين. هل جندي أسير أهم من عشرة آلاف انسان غالبيتهم من المدنيين؟ هل هو من الجنس الآري وهم ساميون ليكون أفضل منهم؟ هل كان قام أي ارهاب مضاد لولا الإرهاب الإسرائيلي المستمر؟ هل بقي نازيون في العالم خارج اسرائيل؟ هناك أسطول سلام وفي مقابله دولة جريمة وأسطول من القوارب واليخوت وغيرها نظمه اسرائيلي فاشيستي متطرف هو غاي بيشور (الذي سأعود اليه في موضوع آخر بعد أيام قليلة). الإنسانية في جانب، والجريمة في جانب آخر. الضحايا والمدافعون عنهم، وبينهم يهود، أمام دولة احتلال قامت على خرافات توراتية ودين وحشي يدعو الى إبادة الجنس. ليس مهماً ما حقق أسطول السلام أو لم يحقق، فهو قبل أن تبحر سفنه دان اسرائيل كما تستحق وسجل رأي العالم الحر في اللوبي وتجار المحرقة في اسرائيل. أكتب صباح الخميس، وسنعرف صباح اليوم الجمعة نتيجة المواجهة بين أسطول السلام وأسطول الحرب، فإما أن يعود دعاة السلام من حيث جاؤوا أو يساقون الى أشدود ويُعتقلون ويُستجوبون. وقد عدت صباح اليوم إلى «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست» لمتابعة تغطية الخبر، ووجدته في الصحيفة الأولى في مرتبة متدنية ضمن أخبار الشرق الأوسط، وتسبقه أخبار عن الكوريتين وإنكليزي متهم بالقتل وكاهن متهم بالتحرش والهند ونيبال والصين وجمايكا، وحتى زيمبابوي والكونغو. أما في الثانية فغاب الخبر كله، وقد طبعت صفحات الجريدتين عن الشرق الأوسط صباح الخميس حتى لا ينكر أحد ما أكتب هنا. هذه ليست صحافة، وإنما تواطؤ مع المجرم، وإذا كانت جريدتان ليبراليتان عظيمتان تفعلان هذا فإننا يمكن أن نتصور تغطية صحافة اليمين، والنتيجة تشجيع استمرار الاحتلال والاستيطان، أي قتل مزيد من الفلسطينيين والإسرائيليين في غياب السلام. هناك ضحايا وهناك اسرائيل، والفارق بينهما يمثله مبدأ الفارق بين النور والظلمة، بين الحياة والموت، بين الخير والشر، وكل حديث غير هذا خرافة من حجم خرافات التوراة. [email protected]