لم تعد الموسيقى في الأعراس اللبنانية كسابق عهدها، بعد أن أخضعت لتأثيرات ألحان موسيقى البوب الدولية. وغالباً ما تعزف في احتفالات الأعراس اللبنانية موسيقى وألحان عربية عصرية بدلاً من الأغاني التي كان ينشدها ضيوف الأعراس من الأجيال السابقة. وأغنية «مبروك» لرامي عياش مثلاً أصبحت أكثر شيوعاً من الأغاني الشعبية مثل «بدنا نتجوز عالعيد» لنهاد طربيه التي بدورها استبدلت أناشيد أعراس سابقة كانت متجذرة في مناطق محلية من لبنان. وحلت الأغاني العصرية مكان الألحان التقليدية في الأعراس. وأفادت «نشرة واشنطن» أنه تلافياً لفناء موسيقى من هذا القبيل إلى الأبد، يعكف باحثون ودارسون من المعهد العالي للموسيقى في الجامعة الأنطونية في لبنان بدعم مالي من الحكومة الأميركية على ضمان الحفاظ على جانب من تراث لبنان الموسيقي. وبفضل هبة قدمها صندوق السفراء الأميركيين للتراث الثقافي التابع لوزارة الخارجية، يقوم باحثون موسيقيون في الجامعة بتصنيف وتبويب أغاني أعراس تقليدية من جميع مناطق البلاد. ومشروع «الحفاظ على أغاني الأعراس اللبنانية» يرعاه باحثون من مركز الموسيقى التقليدية العربية والمتوسطية، وهي مؤسسة أبح اث في دائرة دراسة الموسيقى والدراسات الإثنية ضمن المعهد العالي للموسيقى، مكرسة لتطوير وعزف موسيقى تقليدية وعريقة في الشرق الأوسط. وكان خبراء في الموسيقى نشروا في الماضي دراسات موسيقية وإثنية بمساعدة من جامعة السوربون الرابعة الفرنسية في باريس. ويرمي المشروع الحالي لتصنيف وتبويب أغاني الأعراس استناداً إلى ضروب ألحانها وبيانات عن تصنيف الموسيقى التي تحاكي نماذج تقليدية، وتأسيس ديوان شعري لأغاني الأعراس ونشر نتائجها. وخلال عمل المشروع على مدى 18 شهراً يقوم الباحثون في الجامعة الأنطونية بجمع بيانات ومعلومات من كبار السن في 40 قرية وبلدة في جميع أنحاء لبنان. كما أن الباحثين هم في سباق مع الزمن. وخلال أعمال ميدانية أولية حدد الباحثون القرى التي تقدم أفضل ما يمثل جذور الألحان التقليدية وذخيرتها. وقد جال هؤلاء في مناطق البلاد على مدى 4 أشهر ووجدوا عينات أساسية لموسيقى الأعراس في تسع قرى في شمال البلاد و24 في محافظة جبل لبنان وسبع قرى في الجنوب. وكان جريس مسعود من بلدة تنورين الشمالية مصدر معلومات ثمينة. فقد قدم مسعود، الذي يناهز عمره المئة عام، لباحثي الجامعة الأنطونية صورة للماضي من خلال معرفته ألحان الأعراس التي شارفت على الزوال. ويشترك مع مسعود في تنورين وسواها من قرى مواطنون من كبار السن مثل أم نبيل (85 سنةً) ودعد الجميّل (78 سنةً) اللتين ساهمتا بمعلومات للباحثين من زاوية نسائية. والآن بعد أن تم تسجيل المقابلات مع المسنين في قرى عكار في شمال لبنان ومرجعيون في جنوب البلاد سيعقد خبراء دراسة الموسيقى الإثنية اجتماعات غير رسمية مع العائلات في القرى كي يأخذوا منهم تسجيلات صوتية. وسيقدم الباحثون على تبويب المعلومات معتمدين على التسجيلات الميدانية وسيقومون بتحرير محتواها ثم تدوين كلمات الأغاني التي تبرز تقاليد القرى. ومن هذه البيانات سيجرى نشر كلمات الأغاني بلغة صحيحة كما سيتم ترجمتها إلى اللغتين الفرنسية والإنكليزية. وستتم فهرسة الموسيقى وتصنيفها إضافة إلى نص كلمات ألحانها. وفي نهاية المشروع ستستخدم البيانات في منشورات تبرز الأهمية التاريخية لموسيقى وألحان الأعراس اللبنانية الآخذة في الزوال والتي سيحافظ عليها في وقت قريب.