في الوقت الذي سُرّت فيه الأوساط السينمائية الإيرانية بإطلاق سراح المخرج جعفر باناهي، كان واضحاً هنا أن الاعتقاد بات راسخاً بأن العصر الذهبي للسينما الإيرانية بات بعيداً وأن الأفلام الإيرانية التي وجدت على هامش مهرجان «كان» لهذا العام لم تكن على المستوى المطلوب. كما خيم «الكرسي الفارغ» ضمن لجنة تحكيم المهرجان المخصص للمخرج الإيراني جعفر بناهي، الذي كان معتقلاً منذ أشهر في طهران، على أجواء الوجود الإيراني في «كان» وعلى صورة السينما الإيرانية في الخارج. وكانت إيران قد احتجت بشخص معاون وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي لشؤون السينما جواد شمقدري، الذي حضر مهرجان «كان»، على هذه الخطوة واعتبر أن المهرجان هو «مكان لحوار الثقافات» وليس لمناقشة القضايا السياسية. وفي تقرير عن الأحداث في مهرجان «كان»، نشرت صحيفة «باني فيلم» الإصلاحية في طهران أن شمقدري وجّه رسالة إلى جيل جاكوب مدير مهرجان «كان» حذره فيها من «سعي بعض الأشخاص لمنع قيام علاقات ثقافية حسنة بين البلدين، معتبراً أن هؤلاء لا يهتمون سوى بمصالحهم السياسية والشخصية». وأعلن شمقدري في الرسالة أن ما جرى هو سيناريو محضر مسبقاً، وقال: «يجب أن أعلمكم أنه، وبفضل جهودنا، فإن الإجراءات القانونية لملف السيد بناهي يقترب من نهايته، وأنه حُكم بست سنوات سجن، بيد أننا نجحنا في تخفيف الحكم. ولكنه (بناهي) سيكون ممنوعاً من مغادرة البلاد». وأضاف: «يعمل السينمائيون الإيرانيون في جو من الحرية وسيادة القانون ولا يجب تصديق المعلومات الكاذبة»... وكان هذا الكلام أياماً قبل إطلاق سراح بناهي. وكان شمقدري قد التقى جيل جاكوب على هامش المهرجان ووصف اللقاء ب «الإيجابي». وقد أعلن جاكوب على أثره أن الاحتفاظ بكرسي بناهي خالياً كان «خطوة رمزية»، وأن موقف المهرجان من بناهي لم يكن «سياسياً بل إنسانياً»، وأعرب عن سعادته للقاء «مخرج ذي خبرة مثل السيد شمقدري يستطيع أن يشرح المشاكل التي تعاني منها السينما الإيرانية». وهاجم شمقدري موقف مسؤولي مهرجان «كان» من السينما الإيرانية واتهمهم بالاكتفاء بمشاهدة الأفلام الخاصة، واعتبر أن ثمة عهداً جديداً للسينما الإيرانية يتوافر فيه مخرجون جيدون وأفلام ممتازة، لكن المهرجان يتصرف «بما لا يتناسب ومصلحة هؤلاء». كما دعا شمقدري إلى التعامل مع أفلام الدفاع المقدس (الحرب العراقية - الإيرانية) التي تنتجها إيران بالكيفية ذاتها التي يتم بها التعامل مع أفلام المقاومة في الحرب العالمية الثانية والتي لا يزال الاهتمام العالمي بها قائماً بعد مرور ستين عاماً عليها. تغيير النظرة واقترح شمقدري في اللقاء على مسؤولي المهرجان تغيير نظرتهم «التقليدية» و «السلبية» تجاههم، وهذا على رغم مشاركة إيران بأفلام جيدة. كما تطرق شمقدري إلى مواضيع السينما الإيرانية وقال: «بعض هذه المواضيع لم تعد متماشية مع العصر والسيد كياروستامي لم يعد في مقدوره تحقيق أفلامه في إيران». وفي ما يتعلق ببناهي، أضاف: «لقد استفاد مثله مثل بقية المخرجين من دعم الحكومة ولكنه كان يصور في الخفاء، وهو واحد من أربعمئة مخرج لدينا. وليس على المجال الثقافي أن يكون مكاناً للعب السياسي». وعلى رغم عدم مشاركتها الرسمية بأي فيلم ضمن التظاهرات، وجدت إيران في المهرجان الشهير عبر مؤسسة الفارابي للسينما، والتلفزيون الإيراني، ودار السينما (نقابة السينمائيين)، وبعض الشركات الخاصة. وكانت أعمال عدة سينمائية اجتماعية «طهران - تهران»، وحربية «بعد اليوم العاشر» وبوليسية «آل» قد عرضت على هامش المهرجان. وكان قسم العلاقات العامة في مديرية الشؤون السينمائية قد اعتبر بحسب الصحيفة نفسها أن المؤتمر الصحافي الذي عقده عباس كياروستامي في «كان» كان مدروساً وأتى ضد الجمهورية الإسلامية، وأنه بدلاً من الحديث عن فيلم كياروستامي جرى الحديث عن بناهي المعتقل وإثارة قضية إضرابه عن الطعام وضرب ابنته أمام سجن إيفين حيث يحتجز. ولم يسلم كياروستامي خارج إيران أيضاً. فقد اتهمته جمعية «الفن في المنفى» الإيرانية بتأييده للثورة منذ يومها الأول، و «هنأوا» في رسالة مفتوحة وجهوها إلى جولييت بينوش بطلة فيلمه، وذلك لتعاملها مع مخرج «مؤيد لنظام آية الله» منتقدين رسالة مديح مفتوحة زعموا أن كياروستامي وجّهها الى أحمدي نجاد عام 2005 أثناء الحملة الانتخابية آنذاك. والجدير ذكره أن الإفراج عن جعفر بناهي تم بعد أيام من تصريح معاون الوزير.