عبّر الفنان الفلسطيني عبد الحي مسلم عن سعادته لنيل جائزة الشاعر الراحل محمود درويش. مسلّم الذي تحوّل من مقاتل في صفوف الثورة إلى ابرز الأسماء الفنية في الساحة الفلسطينية اعتذر عن عدم الذهاب إلى فلسطين قائلاً: «غمرتني الفرحة بالحصول على الجائزة، ولم اكن اعرف من رشحني لنيلها. لا أحب الذهاب الى فلسطين وهي في هذه الظروف الصعبة». طوَّع نشارة الخشب لأعمال فنية تحاكي مسيرة الشعب الفلسطيني، وأخذته قصائد درويش إلى تجسيد المعنى وإلى الفوز بجائزته لهذه السنة. قصائد عدّة كان الراحل استوحى معانيها من التراث الشعبي، مكنت مسلّم من أدواته البسيطة. أسباب كثيرة كانت سبباً لأن يرحل الفتى المهجّر - ابن قرية الدوايمة في الخليل- مع أمه وشقيقاته الى شرق الأردن، لأن يحمل في قلبه الحزن والمأساة واليتم. يقول: «كنت احلم بثورة شبيهه بالثورة الجزائرية، تركت سلاح الجو الأردني الذي كنت اعمل فيه والتحقت بصفوف الثورة الفلسطينية في سورية وبعدها بيروتوطرابلس الغرب، وعدت الى سورية. من طفولتي وأنا احب الخشب، الذي قادني الى مكان مختلف عما كنت اريده». المصادفة قادت الفنان المولود عام 1933 إلى ما كان يختزل وجدانه، حين أرسل ومجموعة من المقاتلين الى ليبيا، واستطاع هناك ان يصنع من قطعة خشب عملاً فنياً. «حين انجزت اول أعمالي، شعرت بأن ثمة شيئاً يمكنني ان افعله من خلال الخشب ونشارته. شاركت في معرض طرابلس الدولي، ضمن جناح فلسطين ومن هناك بدأت مشواري». الشعر والأمثال الشعبية شكلت ابرز أعمال الفنان الفلسطيني، «استندت إلى الإرث الشعبي والأمثال والأغاني في مجمل اعمالي الفنية. انا فنان فطري لم ادرس الفنون أكاديمياً، إحساسي بالأشياء كان الأبرز في أعمالي، وشاركت في أكثر من 50 معرضاً عربياً وعالمياً». يعتقد الفنان «البدائي» مسلم ان ارتكاز اعماله على التراث الفلسطيني كان سبباً مهماً لما وصل إليه من تجربة ومكانة بين الفنانين. ويقول: «كثير من قصائد محمود درويش ترتكز على التراث الفلسطيني بشكل أو آخر، نحن شعب كربلائي حزين». يعتبر عبد الحي مسلم ان الفنان الذي لا يجد موضوعه من محيطه هو فنان فاشل. «أنا لغاية الآن فنان فطري، اتعلم من خلال الأعمال التي أقدمها، وساهم الإرث الغنائي الشعبي في استمراري في مجال الفن، كما ان طفولتي هي أساس تذكري فلسطين، والمعاناة التي عشتها قادتني الى ان أساهم في رفد قضيتي بالفن الذي تميزت فيه. تجربتي هي عبارة عن قتال من اجل شعبي، لأنشر فني». مسلّم الذي يسكن أحد أحياء عمّان البسيطة (جبل القصور)، لم يكن يوماً يحلم بأن يصل الى العالمية. ويقول: «سدّد الفن كل ديون الحياة التي عشتها، الشعب الفلسطيني دفع ثمناً كبيراً وما زال. نشأتي في بيت مليء بالنساء كان لها وقع كبير على حياتي، فالمرأة هي الأم والأخت والزوجة التي تعرضت لكل أنواع الظلم، نادراً ما يجد المتلقي لوحة لي من دون امرأة. أنصفت المرأة من خلال أعمالي، وأكثر ما يؤثّر فيّ رؤية عجوز فلسطينيّة تبكي عند لوحة من لوحاتي». جدير بذاته وتجربته ويرى الناقد فيصل دراج احد أعضاء لجنة جائزة الشاعر الراحل درويش والذي قال خلال امسية تكريم اقامتها دارة الفنون للفائز في عمّان، ان «عبد الحي مسلم جدير بذاته وتجربته، بعدما أمضى 40 سنة في ميدان الفن، رغم انه بدأ مشواره في سن متأخرة، جاعلاً من القرية الفلسطينية معبراً الى تعددية اللوحة». وأضاف حول تجربة مسلّم: «نجد في القرية رسم الأسطورة والعالم الغنائي، ورسم التكامل العضوي الفلسطيني بين المرأة والرجل، فهو فنان موهوب وخصب الشخصية. حين انظر الى اعمال مسلم أرى رواية «العاشق» لغسان كنفاني». يقول الناقد والكاتب أحمد الزعتري: «عندما التقيته قبل سنوات عدّة، ظهر عبد الحيّ مسلّم من أزقّة جبل القصور في عمّان بنحوله وزهده في ملابسه، كمن خرج من مشغل نجارة، بسيجارة «الهيشي» التي تضفي ملمحاً لازمنيّاً على طلّته. كأنه حين يدلف إلى مرسمه يدخل في آلة الزمن، كما قال لي حينها: عندما أدخل أصير في مكان ثانٍ وزمان آخر: في قريتي قبل العام 1948». ويضيف الزعتري: «هو اليتيم الذي التصق بالأنثى منذ طفولته، فلم يكن قد تجاوز الخامسة حين توفي والده ليترك امرأة تعيل عائلة مكوّنة من 5 فتيات وعبد الحيّ الصبي الوحيد. الجو الأنثوي لم يفارق لوحاته، شقيقاته كن يصطحبنه إلى الطقوس القروية: التطريز والطهور والعرس والحصاد وطقوس شهر رمضان». توثق الأنثى الحاضرة والبطلة في أعماله الحكاية الفلسطينية كما يرى الزعتري، «حتى تلك التي يوثّق فيها مجازر تل الزعتر، أو دير ياسين».