{ خيمت الهموم الأمنية العربية المشتركة على جلسة افتتاح الدورة السادسة والعشرين لمجلس وزراء الداخلية العرب التي انطلقت في العاصمة اللبنانية بيروت أمس، وتضمن جدول أعمالها عدداً من البنود بينها تطبيق الاتفاق العربي لمكافحة الإرهاب الذي تم التوصل إليه عام 1998، ومواضيع أمنية، وخطط لمكافحة تهريب المخدرات والإرهاب والجريمة، على أن تصدر توصياتها اليوم بعد زيارة يقوم بها الوزراء العرب ظهراً للرئيس اللبناني ميشال سليمان في قصر بعبدا. وبرزت خلال الافتتاح دعوة وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب المشاركين الى بذل «جهد أمني مشترك يقوم على كفاءة الردع وفاعلية الارتداع»، وتأكيده أن «العالم العربي يشهد أخيراً حركة مصالحة وتنقية للأجواء وتعزيزاً لأسس التضامن العربي بين الدول العربية لمواجهة التحديات والتطورات الراهنة المحيطة بنا». في حين وقع وزير الداخلية اللبناني زياد بارود خلال الاستراحة التي تلت الافتتاح اتفاقية مع وزير الداخلية الإماراتي الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان. واستهلت الجلسة الافتتاحية التي عُقدت في فندق فينيسيا برعاية الرئيس اللبناني ميشال سليمان ممثلاً بالوزير بارود، بعد تأخير دام أكثر من نصف ساعة عن الموعد المحدد. وردّ المنظمون ذلك الى لقاءات ثنائية أو جماعية يعقدها الوزراء الذين حضروا باستثناء وزراء داخلية جزر القمر والصومال وليبيا وجيبوتي. كما غاب الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى على رغم أن اسمه كان مدرجاً بين أسماء المتحدثين في الجلسة الافتتاحية، وحضر وفد من الجامعة. كما شاركت في الجلسة الافتتاحية وفود أمنية ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة للسلامة والأمن ديفيد فينيس. وسبقت الكلمات الثلاث في الجلسة الافتتاحية، آيات من الذكر الحكيم تلاها الشيخ خالد بركات، ثم دخول العلمين اللبناني وعلم المجلس يحملهما عناصر من قوى الأمن الداخلي على وقع قرع الطبول، في حين تولى الإعلامي جورج قرداحي تقديم المتحدثين. غلبت على كلمة وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز الدعوة الى تعزيز أسس التضامن العربي لمواجهة التحديات التي تواجه المجتمعات العربية. وقال في الجلسة الافتتاحية إن «العالم العربي يشهد حركة مصالحة وتنقية للأجواء وتعزيزاً لأسس التضامن العربي بين الدول العربية لمواجهة التحديات والتطورات الراهنة المحيطة بنا، وهي تحديات - لا شك - ستؤثر سلباً في أمن دولنا وشعوبنا إذا لم تواجه بتوحد عربي يحول دون خطرها ومخاطرها على الإنسان والأرض، ويصان به الأمن والاستقرار، وتتخطى به الأمة العربية مزالق التفكك والضعف». وأضاف: «ندرك جميعاً أن عالمنا العربي يواجه - بكل أسف - تحديات أمنية مختلفة في دلالاتها، ومتعددة في مصادرها، وفي مثل هذا المناخ يأتي اجتماعنا هذا لمواجهة التحديات، ومواكبة التطورات، وتعزيز الخطوات نحو المزيد من الأمن والأمان»، مؤكداً أن «كل ذلك سيتحقق، بإذن الله، حين نعمل معاً في جهد أمني مشترك يقوم على كفاءة الردع وفاعلية الارتداع». وتابع الأمير نايف: «لا شك في أن هذه خطوات مهمة ومباركة - إن شاء الله - من قادة دولنا العربية نحو المصالحة وتعزيز التضامن والعمل العربي، وكانت - بفضل الله - إحدى ثمرات المبادرة الشجاعة والمخلصة التي أطلقها سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في قمة الكويت العربية، انطلاقاً من سعيه الدؤوب، وحرصه وحرص ولي عهده الأمين - حفظهما الله - على جمع شمل العرب، وإرساء أسس التضامن العربي وجهودهما المتواصلة لإعادة اللحمة بين أبناء الأمة العربية الواحدة لمواجهة المصير المشترك الواحد، ما يبشّر بمستقبل أكثر تفاؤلاً وأمناً واستقراراً». وحذر من أن «من اشد المخاطر التي تواجه أمننا العربي هو محاولة زعزعة ما تعيشه دولنا وشعوبنا من استقرار اجتماعي فريد، وتطور تنموي شامل، وذلك من خلال بث الشكوك في ذهن المواطن العربي حول مقومات وجوده، والحكم في بلاده، وأنظمته السياسية والاجتماعية، والاقتصادية المتبعة، ومحاولة اختراق السياج الأمني لدولنا بالفكر الضال والفعل الإجرامي. لذلك - وبفضل الله ثم جهودكم - عمل مجلس وزراء الداخلية العرب عبر مسيرته الطويلة في اتجاه تعزيز التعاون الأمني بين دولنا في مواجهة ما يهدد أمنها، ومصالحها، وسلامة مجتمعاتها، وتبنى في سبيل تحقيق ذلك الكثير من الاتفاقات والاستراتيجيات الأمنية المشتركة التي يمكن أن تسهم في التصدي للأخطار المحيطة بالأمن الاجتماعي العربي، انطلاقاً من مبادئنا الدينية والأخلاقية والإنسانية السامية التي تحارب الجريمة وتحافظ على حياة الإنسان وكرامته وحقوقه، ولن تكتمل هذه المهمات والأهداف السامية النبيلة ما لم يستشعر المواطن العربي أينما كان انه رجل الأمن الأول، وأنه هو وأجهزة الأمن يعملون لهدف واحد هو تحقيق أمن المواطن والوطن، وفي السياق ذاته تكون مسؤوليات الوسائل الإعلامية والدور التعليمية نحو بناء فكر أمني للمجتمع العربي، تحقيقاً للأمن والأمان، ومنعاً من الانزلاق في دروب الهدم والشر والإجرام». وخاطب الأمير نايف الحضور قائلاً: «إن جدول اجتماعكم اشتمل على ثلاثة وعشرين بنداً عما أُنجز في دورات سابقة وكيفية إنجازه، وعوائق ما لم يُنجز من جهود، واستراتيجيات وسياسات، واتفاقات، وخطط أمنية مشتركة، تقود نتائجها وتقارير متابعة أدائها الى تحديد ملامح العمل الأمني العربي المشترك في المراحل المقبلة وعلى النحو الذي يسهم في تعزيز مقومات أمننا العربي، ويصونها من الأخطار المحيطة بها، وكلنا أمل بأن يوفقنا المولى عزّ وجلّ الى تحقيق ما يحب ويرضى، ويحقق توجيهات قادة دولنا في ما أُسند إلينا من مهمات، وتطلعات شعوبنا العربية تجاه الحفاظ على ما تحقق من استقرار وازدهار في مختلف المجالات». كومان وكان الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب محمد بن علي كومان استهل الجلسة بتوجيه الشكر الى الرئيس اللبناني «مقدراً دوره الكبير والبنّاء في قيادة مسيرة الوفاق الوطني اللبناني»، وبالتقدير للأمير نايف بن عبدالعزيز على «الدعم اللامحدود للأمانة العامة ولمسيرة العمل الأمني العربي المشترك». وجدد كومان الاشارة الى أن «هذه الدورة تُعقد في ظل تحديات أمنية خطيرة تواجه العالم بأسره، فقد تطورت الجريمة كمّاً ونوعاً في شكل غير مسبوق وباتت تشكل خطراً كبيراً يتهدد الدول المختلفة»، موضحاً أن «الإرهاب يحتل الصدارة في هذا المجال»، محذراً من «أنواع أخرى من الجرائم تتسم بالخطورة، بخاصة أن عصابات منظمة لديها كل الإمكانات المالية والوسائل التقنية الحديثة ترتكبها، ونعني هنا بخاصة جرائم الإتجار غير المشروع بالمخدرات والأسلحة وتبييض الأموال، والإتجار بالبشر والأعضاء البشرية، وتهريب المهاجرين وسرقة الملكية الفكرية، وإساءة استخدام التقنيات الحديثة مثل الإنترنت والحاسب الآلي»، مؤكداً أن «هذه الجرائم التي تهدد أمن الدول واستقرارها وتعرقل مساراتها التنموية والحضارية وتشكل خطراً داهماً على حياة شعوبها وممتلكاتهم وموارد رزقهم، تتطلب العمل الفعال والتعاون الكامل بين الجميع، واعتماد سياسة شاملة لا تقتصر فيها على المواجهة الأمنية، بل تتجاوز ذلك الى تهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية التي توفّر للمواطن العيش الكريم من جهة، وتحصنه من جهة أخرى بالتعاليم الدينية والقيم الأخلاقية التي لا تبعده فقط عن مهاوي الجريمة والانحراف، بل تجعله مسانداً لرجل الأمن في مواجهة قوى الشر والإجرام والفساد، وبذلك نكون قد طبقنا الأمن بمفهومه الشامل». ونقل كومان حرص الأمانة العامة على «بسط سلطة الأمن وسيادة القانون في الربوع العربية كافة بما يشكل عاملاً أساسياً في تدعيم مسيرة التنمية في الوطن العربي»، لافتاً الى أن «الأمانة العامة عززت علاقات التعاون مع مؤسسات العمل العربي المشترك الأخرى وبصورة خاصة مجلس وزراء العدل العرب، إذ تم في العام الماضي عقد اجتماعات مشتركة عدة لممثلين عن المجلسين أسفرت عن وضع مشاريع مهمة تهدف الى تعزيز المسيرة الأمنية، من بينها مشروع الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، ومشروع الاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومشروع الاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، ومشروع الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات». وأعلن انتهاء المرحلة الأولى من نظام الاتصالات العصري بين أجهزة المجلس الذي يرتكز إلى احدث نظم تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات من خلال شبكة إلكترونية للاتصالات المعلوماتية والهاتفية والمرئية تستخدم قنوات مشفرة. وأوضح كومان أن «في المرحلة الأولى تم ربط الأمانة العامة بمكاتبها المتخصصة، على أن يتم الشروع قريباً في ربط شعب الاتصال في وزارات الداخلية العربية وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية والاتحاد الرياضي العربي للشرطة بهذه الشبكة». وشكر كومان وزير الداخلية الإماراتي الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان على التبرع بمبلغ مليون ونصف مليون دولار أميركي لإنشاء هذا النظام،. ودعا بارود (رئيس الدورة الحالية) في كلمة تلاها نيابة عن الرئيس اللبناني إلى إنشاء مكتب عربي مختص بمكافحة الجريمة المنظمة، وهي تشمل جرائم تبييض الأموال والإتجار بالبشر وتهريب المهاجرين وجرائم المعلوماتية وغيرها، متمنياً النظر في إمكان استحداث هذا المكتب ووضع أسسه وهيكليته، معلناً استعداد لبنان لاستضافة المقر. وقال بارود: «قد يميل البعض منا الى الاعتقاد بأن وزارة الداخلية عموماً هي وزارة أمنية فقط. هي أمنية بامتياز، نعم، وهكذا يجب أن تكون، لكنها أيضاً وزارة التنمية المحلية والحزم العادل والتواصل الدائم مع الناس من أجل خدمتهم على نحو أفضل. هي تحمي الناس في حرياتهم وحقوقهم إذا تعرضت للانتهاك، لكنها قد تحمي أيضاً ارتكابات تحصل بحق هؤلاء الناس أنفسهم، وما ظلمٌ أصعب من ظلم القانون ورجاله». وأكد بارود أن «استتباب الأمن يرتبط بالدرجة الأولى بعناصر ثلاثة: هيبة الدولة العادلة والحازمة أينما لزم الأمر حزماً، ثقة الناس بمؤسساتهم الحامية وتعاونهم معها، وقدرة الأجهزة الأمنية على مواجهة الجريمة. ولعل ما تعاني منه بعض أقطارنا، مردّه الى فقدان أحد هذه العناصر أو عدم كفايته»، مشيراً الى أن «الفائدة المشتركة تقضي بأن نتعاون لملء الناقص حيث يلزم». وقال بارود: «الفائدة المشتركة، أو ربما الخطر المشترك والتهديد المشترك واحتمال انتقال العدوى بسرعة تطوّر التكنولوجيا ولواحقها، تحتم علينا العمل على مسارات موازية، هذه بعضها: على مستوى مكافحة الإرهاب، خطت الدول العربية خطوة لافتة بإقرارها الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب ووضعها توصيفاً موحداً للأخير عام 1998، مؤكدةً في الديباجة على التعاون الكامل في ما بينها. ولا بد من تعزيز التطبيقات العلمية لهذه الاتفاقية لأن الإرهاب بات يهدد الجميع، وبات يضرب، بعد المدنيين، القوى المسلحة على ما يقوله الرئيس سليمان». ولفت الى «تنامي الجريمة المعلوماتية ودخولها على خط الأسلحة الأكثر فتكاً والأكثر استعمالاً في تهديد الأمن»، مشدداً على «ضرورة مواكبتنا جميعاً تطور تكنولوجيا المعلومات ودخولنا الى زمن عولمة الجريمة محصنين بالأسلحة المضادة»، وعلى «الحماية المدنية والإنقاذ والسلامة المرورية»، كاشفا أن «الإحصاءات تشير الى أن حوادث المرور تحصد أكثر من خمسة أضعاف ما تخسره بلداننا نتيجة أحداثٍ أمنية جنائية تقليدية». واعتبر بارود أن «الأمن الاجتماعي والاقتصادي يبقى ركيزة أساسية وربما من أنجع التدابير الوقائية لحماية الأمن بمعناه الواسع». وقال: «الفقر سلاح أيضاًَ، تستعمله أيادي الشر لتدمر العلاقة بين المواطن ومجتمعه، فيخرج عن الضوابط. والتقديمات الاجتماعية الغائبة تولّد استعداداً لتلقي تقديمات ومغريات من نوعٍ آخر، ولو كان الثمن دماً ودماراً. وإذا كانت صلاحيات وزارة الداخلية تخرج عن هذا النطاق، إلا أن التشارك مع وزارات أخرى معنية بات ضرورة ملحّة لدرء ارتدادات الاجتماع والاقتصاد على الأمن والسلامة». عرض نظام الاتصالات ومع انتهاء الكلمات، جرى عرض لنظام الاتصالات العصري المنشأ في نطاق الأمانة العامة للمؤتمر والذي يؤدي الى تسهيل الاتصالات في شكل كبير بين الأمانة العامة ومكاتبها المتخصصة ووزارات الداخلية في الدول العربية. ثم انصرف الحاضرون الى استراحة دامت دقائق. تعاون لبناني - سوري أكد وزير الداخلية السوري اللواء بسام عبدالمجيد على هامش الجلسة حرص وزارة الداخلية السورية على تعزيز التعاون والتنسيق مع وزارة الداخلية اللبنانية لمتابعة كل المواضيع المشتركة التي تخص طبيعة عملهما. ولفت رداً على سؤال الى أن القناعة لتخطي الخلافات والعمل المشترك «موجودة في الدول العربية، وفي شكل خاص حول مكافحة الإرهاب بأنواعه المختلفة»، مشيراً الى «قناعات مشتركة بضرورة تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول العربية». وأكد أن التعاون العربي قائم منذ زمن، ولسنا في حاجة الى صفحة جديدة». وتحدث وزير الداخلية اليمني اللواء الركن مطهر رشاد المصري داعياً إلى تعزيز أواصر التعاون الأمني العربي من خلال نقل المعلومات عن الجماعات الإجرامية وتبادلها.