حول «الوهابية»... وهل رُفعت عنها الوصاية وسُمح بنقدها من الداخل؟ يقول بدر العامر: نقد الذات لا ينبع دائماً منها، بل الظروف تملي على الناس ضرورة نقد أنفسهم بناء على قانون التحدي والاستجابة عند توينبي، ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله من أنقى الدعوات المعاصرة، وأكثرها أثراً في الواقع، وأسلمها من الناحية العقدية، وأوضحها أثراً حيث كونت الدعوة دولة، وهذا إنجاز نادر في التاريخ الإسلامي، وعند الحديث عن دعوة نقد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لا بد من أن نميز بين ثلاثة أمور: الأول: إنتاج الشيخ العلمي والذي حرره الشيخ في كتبه ورسائله المتداولة، وعندي أن هذا المستوى لا مؤاخذات فيه، بل الشيخ رحمه الله كان من سماته البارزة التصاقه بالنص، وغيابه في أكثر الأحيان حيث يكون النص هو الناطق لا الشيخ. الثاني: حراك الشيخ الواقعي في دعوته وممارساته العملية، وهذه كانت لها ظروفها الخاصة التي لا بد من أن تفهم في سياقها التاريخي من دون نزعها من ظروفها وتعميمها وصبغها بالصبغة المنهجية، لأن تطبيق قواعد الشيخ ورؤيته على الوقائع والأحوال هي مسألة نظرية اجتهادية مصلحية، وهذا الذي يفرق بين تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم وتصرفات غيره من البشر، وهذا المجال فيه مساحة كبيرة للنقد والنظر والاعتراض. الثالث: من جاء بعد الشيخ رحمه الله، وتبنى منهجه من تلاميذه ومحبيه والمقتنعين بدعوته، وهؤلاء يمارسون ممارسات تنسب إلى دعوة الشيخ والصحيح أنها لا بد من أن تنسب إلى أصحابها من دون أن تحمل دعوة الشيخ رحمه الله تبعات وأخطاء من جاء بعده، ولذا نجد أن من تلاميذ الشيخ قد حصل بينهم نزاع شديد في فهم رؤى الشيخ وتقريراته في مسائل عدة، ومن ذلك تلك المسألة الشائكة (مسألة العذر بالجهل)، ما بين مثبت وناف، ومن طبيعة الحركات الدعوية والعلمية أن من يأتي بعد مؤسسها يختلف في تأويل أفعاله وكلامه، بل قد يشط في الأقوال والأفعال ويغلو في حملها حتى يحمل صاحب الدعوة ما لم يقله أو يفكر فيه، وهذا المستوى الثالث يحتاج إلى قراءة نقدية محايدة وحريصة على الموضوعية والعلمية بعيداً عن المنطلقات الأيديولوجية، أو القراءات المتحيزة، ولا يضر دعوة الشيخ محمد رحمه الله أن ينتقد الناس تصرفات أتباعه، بل النقد هو حياة لكل فكرة، وتركه هو موت لها.