منذ صدوره في 1977، تبوأ كتاب مايكل هير «برقيات»، وهو مجموعة رسائله الى مجلة «اسكواير» عن رحلته الى «نام» (فيتنام) بين 1967 و1969. صدارة الكتب المستوحاة من الحرب وعوالمها. والكتاب سيرة حرب هوجاء مُنيت فيها اميركا بهزيمتها الاولى. وينقل هير صورة حرب تجرى على وقع ضوضاء موسيقى الروك واصوات محركات المروحيات العسكرية، وصخب قنابل النابالم الحارقة. وتوسل الكاتب الصحافي صيغة المتكلم، وهي راجت في الستينات في أوساط حركة «نيو جورناليسم» (الصحافة الجديدة)، في رواية رحلة الدم والموت. وكتب: «لا يبعد أن تلقى حتفك مهروس العظام تحت حديد المروحية المتهاوية إثر إصابتها، أو أن تصيبك رصاصة في احدى الرئتين وترحل وأنت تستمع الى انفاسك الاخيرة، أو الموت مصاباً بالملاريا والضجيج لا يبارح أذنيك، بعد اشهر من الاشتباكات النارية والصاروخية». والنوع هذا من السرد نادر في عالم اليوم وحروبه. ففي زمن حرب فيتنام لم تقيد حرية حركة الصحافيين بقيود، ووضعت الطائرات والمروحيات في خدمتهم للانتقال الى ساحة المعركة وغيرها. ويُعاد، اليوم، نشر كتاب هير، مع صدور كتب عن حرب العراق. وهي حرب قذرة شأن حرب فيتنام. ودارت الحرب، يومها، وجهاً لوجه بين جبهتين. ولكن الحرب، اليوم، غير متكافئة. والقيود فرضت على حركة الصحافيين، على ما ينبه ديفيد فينكل، صاحب «جنود صغار طيبون». فهو رافق وحدة من الجيش الاميركي، والتجربة هذه تسمى «امبادمنت»، في عملياتها وتنقلاتها بالعراق، بين 2007 و2008. وروى في كتابه حوادث حياة الجنود اليومية. والحرب في العراق هي، على خلاف حرب فيتنام، حرب مع عدو غير مرئي، لا وجه له. وتمييز الصديق من العدو في مثل هذه الحرب عسير. فضحايا الوحدة العسكرية التي رافقها فينكل ال14 قضى معظمهم جراء سيارات مفخخة، أو قنابل موقوتة فُجرت من بُعد، عند مرور مركبات «هامفي» العسكرية. ويروي فينكل في كتابه أن مركبات «هامفي» مزودة بأجهزة تبطل عمل بعض انواع المتفجرات. ولكن الاجهزة هذه كانت تخفق في بعض الأوقات. ولذا، حمل بعض الجنود تعويذات حظ، وعلق أحدهم حدوة حصان على مرآة ال «هامفي». والحروب تشد اليها منذ القدم. فهي مرآة قُبح البشر وعظمتهم، في آن. وهوميروس هو «أمير كبار المراسلين»، على قول ألبير لوندر. * صحافي، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 15/5/2010، اعداد منال نحاس.