أكد الرئيس الشرفي لمجلس المياه العربي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز أن الظروف المائية «لم تتحسن بل تزداد سوءاً، والتحديات لم تهدأ بل تجرأت وتوحشت، وفرص تحقيق الأمن المائي لم تنمو أو تزدهر، بل تضاءلت وصعبت، لذا لن أعود إلى التكرار». ورأس الأمير خالد اجتماع الجمعية العمومية لمجلس المياه العربي، في دورتها العادية الرابعة في القاهرة أمس، بمشاركة وزراء المياه في الدول العربية، وممثلي الحكومات، وأعضاء مجلس محافظي المجلس المنتخبين من المنظمات الإقليمية والدولية المهتمة، ورئيس وزراء السودان الأسبق رئيس حزب الأمة الصادق المهدي، والوزيرة المنتدبة المكلفة بالمياه في المغرب شرفات أفيلال، ووزير المياه العراقي، ورئيس إدارة التنمية والبيئة في جامعة الدول العربية الدكتور جمال جادالله، وممثلي المنظمات العاملة في المجال ذاته، إضافة إلى خبراء دوليين في مجال المياه. ودعا إلى التفكير في أن «حل قضايانا المائية العابرة للحدود أو غير المائية يكمن في ضرورة تبني الثلاثية الشاملة، الإدارة والإرادة والقوة الرادعة التي تحميهما وتفرضهما». وقال في كلمة له خلال ترأسه اجتماع الجمعية العمومية لمجلس المياه العربي في دورتها العادية الرابعة في العاصمة المصرية القاهرة أمس (الأحد): «كيف يمكن تحقيق هذه الثلاثية حفاظاً على حقوقنا المائية وتحقيقاً للأمن المائي، وعدم ترك دولة عربية أو دولتين بمفردهما في مواجهة الأطماع والابتزاز؟»، مشدداً على أنه «ليس للضعفاء مكان في عالم اليوم الذي لا يبالي بهم، قد يشفق عليهم في لحظات ويتبرم بهم في كل الأوقات، ولعل ما نشهده اليوم من أحداث سد النهضة خير دليل وبرهان». وأضاف: «أشرت في مناسبات مائية سابقة إلى أن بعض الجرائم المائية تندرج مفهوماً ومنطقاً وعدلاً تحت ما ورد في الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، الذي أعطى مجلس الأمن الحق في استخدام القوة العسكرية ضد أي دولة أو مجموعة من الدول التي تهدد السلم والإخلال به ووقوع العدوان، كما نوهت من قبل إلى وجود سوابق تاريخية دعت إلى عقد اجتماعات قمة لدول العالم أو اجتماعات مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، للبحث واتخاذ القرارات الملائمة في أحداث أقل خطراً بكثير من حرمان دولة من أسباب حياتها وتهديد وجودها». وتساءل في كلمته «هل أطمح أن يتبنى مجلسكم الموقر تحت مظلة جامعة الدول العربية الدعوة إلى عقد مثل هذه القمة، والسعي إلى إصدار القرارات الحازمة الرادعة الملزمة؟»، لافتاً إلى أن «الأمر يجب أن يكون في أعلى الأسبقيات». نص كلمة الأمير خالد بن سلطان بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين. أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة: أيها الحفل الكريم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. استهل كلمتي بتوجيه التحية والتقدير للقيادة الواعية لمصرنا الحبيبة التي وعدت فأوفت، وعدت بخريطة المستقبل عام 2014 وأوفت بالتزاماتها واستحقاقاتها، وكان آخرها الانتخاب الحر المستقل لمجلس النواب، فاكتمل البناء السياسي للدولة: استقرار في التشريع واستقلال في القضاء وحزم في التنفيذ، ووعي في الإعلام. كما نوجه التحية لرجال القوات المسلحة والشرطة لتصديهم للإرهاب الدولي الذي طالت شروره معظم دول العالم. رجال بشجاعتهم وتفانيهم وإخلاصهم ووقوفهم صفاً واحداً أفشلوا مخططات الإرهاب وحافظوا على كيان دولتهم ووحدتها. وكانوا ولا يزالون حصناً لأمتهم العربية والإسلامية. لقد وصف الله سبحانه وتعالى مصر بأنها إحدى «بقاع أمان» في الأرض وأن أهلها آمنون، حيث قال على لسان نبيه يوسف عليه السلام «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين». أبقاها الله آمنة مطمئنة وأدامها منيعة محروسة. وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وقيادة المملكة العربية السعودية على حق في رؤيتهم لدعم جمهورية مصر العربية وإسنادها، فالطريق واحد والآمال واحدة والأخطار واحدة والأمن واحد. الأخوة الحضور، كما أتوجه بالشكر والتقدير إلى صاحب المعالي الأستاذ الدكتور محمود أبوزيد رئيس المجلس العربي للمياه لتوجيهه الدعوة للمشاركة في افتتاح فعاليات أعمال الجمعية العمومية للمجلس وإبداء المرئيات في المرحلة المهمة الحرجة التي تمر بها الأمة العربية، وكذلك إبداء الرأي في موضوعات السياسات العامة المقترحة في مجالات الموارد المائية، وقد عدت إلى أوراقي القديمة وما سبق أن ذكرته في اجتماع الجمعية العمومية في دورتها الثالثة في فبراير عام 2013، فأدركت أنه ما أشبه الليلة بالبارحة، فالظروف لم تتحسن بل تزداد سوءاً، والتحديات لم تهدأ بل تجرأت وتوحشت، وفرص تحقيق الأمن المائي لم تنمو أو تزدهر بل تضاءلت وصعبت لذا لن أعود إلى التكرار، ولكني سأؤكد على عناصر ثلاثة رئيسية وأساسية أجدها جديرة باهتمام مجلسكم الموقر وجمعيته العمومية. أولاً: لن أمل من إعادة التذكير بالصراعات المائية المحتملة الحدوث والتي بدأت بوادرها ومقدماتها في الظهور حول المياه المشتركة والعابرة للحدود وذلك لعدم توافر الاتفاقات المشتركة الحاكمة والملزمة التنفيذ، والآليات التي توقف كل معتدٍ وتردع كل غاصب، واليوم أعيد وأتساءل ما الأدوات التي تملكها الدول العربية منفردة؟ أو تحت مظلة جامعة الدول العربية مجتمعة للدفاع عن أمنها المائي في مواجهة القرصنة المائية والتحكم في مسار الأنهار المشتركة والتهديد بتعطيش شعوب؟، وما الأساليب الواجب اتباعها في مواجهة الأنانية المائية والتسويف وعدم الإفصاح وعدم الشفافية والتهرب من المسؤولية والتقاعس في أداء الحقوق، وعدم احترام ما وقع عليه من اتفاقات، والبعد عن العدل الذي يفرضه الله عز وجل في كل الديانات السماوية ويتبعه الأفراد والمجتمعات في غيرها من معتقدات؟. ألا يستحق هذا الأمر أن يكون في أعلى الأسبقيات أمام مجلسكم الموقر؟ وألا يستحق أن نعيد التفكير في أن حل قضايانا المائية العابرة للحدود أو غير المائية يكمن في ضرورة تبني الثلاثية الشاملة.. الإدارة والإرادة والقوة الرادعة التي تحميهما وتفرضهما. وكيف يمكن تحقيق هذه الثلاثية حفاظاً على حقوقنا المائية وتحقيقاً للأمن المائي وعدم ترك دولة عربية أو دولتين بمفردهما في مواجهة الأطماع والابتزاز؟، وكما ترون أنه ليس للضعفاء مكان في عالم اليوم الذي لا يبالي بهم قد يشفق عليهم في لحظات ويتبرم بهم في كل الأوقات، ولعل ما نشهده اليوم من أحداث سد النهضة خير دليل وبرهان. أشرت في مناسبات مائية سابقة إلى أن بعض الجرائم المائية تندرج مفهوماً ومنطقاً وعدلاً تحت ما ورد في الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي أعطى مجلس الأمن الحق باستخدام القوة العسكرية ضد أي دولة أو مجموعة من الدول التي تهدد السلم والإخلال به ووقوع العدوان، كما نوهت من قبل إلى وجود سوابق تاريخية دعت إلى عقد اجتماعات قمة لدول العالم أو اجتماعات مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة للبحث واتخاذ القرارات الملائمة في أحداث أقل خطراً بكثير من حرمان دولة من أسباب حياتها وتهديد وجودها. فهل أطمح أن يتبنى مجلسكم الموقر تحت مظلة جامعة الدول العربية الدعوة إلى عقد مثل هذه القمة، والسعي إلى إصدار القرارات الحازمة الرادعة الملزمة؟. ثانياً: اطلعت على الموضوعات المقترحة لإعداد السياسات العامة لمجلسكم الموقر وراجعت ما أنجزه من مشروعات وبرامج وما بذله من جهود وإسهامات لوضع الحلول لقضايا المياه العربية المشتركة من كافة الوجوه الفنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، جهود لا ينكرها أحد، ولكن الوضع المائي في العالم العربي لا يتحسن بالقدر المأمول بل لا يتناسب مع الطموح والمساهمة في التنمية المستدامة وتحقيق أمن رباعية: المياه والطاقة والغذاء والبيئة. وقد تبين أن كل هذه الجهود اهتمت بالمياه مصدراً ولم تهتم بالقدر الكافي بالفرد مستهلكاً مع العلم بأن أي خطط أو مشروعات صغيرة الحجم أو كبيرة لن تؤتي ثمارها ما لم يصحبها تحقيق (السلوك المائي الرشيد) للفرد نفسه، فالفرد هو المستهلك والمسرف والمرشد والباحث والمقرر، وهو من سيفرض إرادته ويشرع القوانين الملزمة وينفذها ومن يتولى الدفاع الرادع للحصول على نقطة الماء الصالحة، لذا فإنني أضيف إلى مكونات الأمن الوطني عنصراً جديداً هو (الأمن المائي التوعوي)، أي (رشد السلوك المائي) الذي ينبغي أن يلازم الفرد منذ إدراكه للحياة، عنصر يمكن أن يكون أهم مكون من مكونات الأمن المائي العام أو يعد عنصراً يستحق أن يكون مستقلاً وقائماً بذاته لأهميته، فلا تنمية مستدامة ولا إدارة متكاملة للموارد المائية ولا حوكمة لها ولا أمل في نجاح محاولات مواجهة التحديات المائية في غياب الأمن التوعوي المائي، فهلا لمجلسكم الموقر تبنيه والاهتمام الواجب به؟ فنجاحكم في هذه المهمة سيشكل اللبنة الأساسية لنجاح ما بعدها من سياسات واستراتيجيات وخطط وبرامج. ثالثاً: أوضحت في مختلف المناسبات المائية خطر الإرهاب الذي بدأ منذ عقود مضت بخطف الطائرات والاغتيالات والتفجيرات وتجييش الميليشيات المعادية لكيان الدولة، ثم انتقل إلى حرق آبار النفط وتجارة المخدرات، وآخرها القتل الجماعي والإعدامات البشعة في صورها وأساليبها والمذابح والترويع في أسوأ صورة، ثم تعدى ذلك إلى قتل الأم الذي يعد قول «أف لها» أو نهرها من الكبائر في حقها، فما بال قتلها بيد ولديها؟ فالدول من حولنا تتفكك والحكومات تسقط والحريات تنتهك والنفوس تزهق والشعوب تذل، وتساءلت عام 2007 هنا على أرض الكنانة في جامعة المنصورة، هل ستطاول جرائم هذا الإرهاب الذي لا يراعي حداً ولا يتقي رباً مصادر المياه ليصحو العالم يوماً على تدمير محطات التحلية أو تسميم الأنهار والآبار والمياه الجوفية والخطوط الناقلة للمياه؟ الإجابة المتوقعة المخيفة نعم. ولا ينبغي أن نستبعد ذلك اليوم. فهلا لمجلسكم الموقر وجمعيته العمومية وكافة مؤسساته وأنشطته أن يولي «الإرهاب المائي البيولوجي» الأهمية القصوى، وأن تشمله سياساتكم واستراتيجياتكم وخططكم وبرامجكم من أجل إيقاف الابتزاز المائي وردع القرصنة المائية والوقوف بالمرصاد للإرهاب في شتى صوره ومختلف أساليبه. في الختام: أدعو لكم بالتوفيق والسداد في حمل الأمانة وتأدية المهام وإنجاز المسؤوليات، وأدعو الله أن يأتي اليوم الذي نجبر فيه الآخرين على احترام إراداتنا وحقنا في الحياة المائية الآمنة، وما ذلك على الله بعزيز. والسلام عليكم ورحمة الله.