دعا رئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك الصباح إيران إلى «تعديل الكثير من السياسات والتوجهات لنزع فتيل التوتر في بقع كثيرة في المشرق العربي»، مؤكداً حرص الكويت على بناء أفضل العلاقات معها لكن في ظل «سياسة حسن الجوار واحترام سيادة كل الدول على ضفتي الخليج». وجدد في حديث إلى «الحياة»، في مناسبة مرور ربع قرن على التحرير «تضامن الكويت الكامل» مع المملكة العربية السعودية تجاه التجاوزات التي وقعت ضد البعثات الديبلوماسية في طهران ومشهد، وقال: «كلنا ثقة في الدور الذي تلعبه السعودية بقيادة وحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز». وأكد في الذكرى ال 25 للتحرير التي تحل اليوم أن «الكويت آمنة بإذن الله، لكن قدرنا أننا في منطقة تموج بالتغيرات والاضطرابات ونحن على حافة حرجة فيها»، وعما يتردد عن مواجهة خليجية إيرانية سأل الشيخ جابر: «ألم تبتل منطقتنا بما يكفي من الحروب حتى يتحدث البعض عن مواجهات جديدة؟»، داعياً طهران إلى «تحمل مسؤوليتها في نزع فتيل التوتر». وتطرق إلى المشهد السوري ونشوء تحالف عسكري إسلامي بقيادة السعودية ورؤية الكويت للوضع العراقي. وفي الشأن الكويتي أشار إلى أن «خطة التقشف التي أعلنتها الحكومة لن تمس المواطن محدود الدخل». وفيما يأتي نص الحديث: بعد ربع قرن على الغزو العراقي هل تشعر الكويت الآن بأنها أكثر أمناً؟ - الكويت آمنة بإذن الله، لكن قدرنا أننا في منطقة تموج بالتغيرات والاضطرابات ونحن على حافة حرجة فيها، ورصيدنا في مواجهة أي خطر هو الاتكال على الله سبحانه ثم وحدتنا الوطنية وتماسكنا الداخلي، وهو متحقق بإذن الله، على رغم اختلاف الرؤى والآراء لأن الكويت هي سفينتنا التي تحمل الجميع. ونحن على ثقة بأن ربان سفينتنا حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله ورعاه سيقود الكويت إلى بر الأمان بإذن الله بخبرته وحنكته ودرايته وعلاقاته الإقليمية والدولية. بعض الكويتيين يقول إن الخطر العراقي زال لكن حل مكانه خطر إيراني، ويستدلون إلى ذلك بالتدخلات الإيرانية في دول عربية عدة منها البحرين الشقيقة وكذلك اكتشاف «خلية العبدلي» في الكويت والتي دينت بالولاء لطهران وخزنت أطنان من الذخائر والمتفجرات وغيرها. - الكويت حريصة على أن تحقق أفضل العلاقات مع جيرانها ومنها إيران، طبعاً لنا ملاحظات على بعض السياسات الإقليمية للحكومة الإيرانية وهذا موضع حوار ونقاش دائم مع المسؤولين الإيرانيين. وكان للكويت موقف واضح تجاه التجاوزات التي وقعت أخيراً ضد المملكة العربية السعودية وضد بعثاتها في طهران ومشهد، ومسؤولية النظام الإيراني تكمن في التعامل مع الأمور بروح المسؤولية حتى وإن كانت هناك قوى واتجاهات سياسية مختلفة داخل إيران تتفاوت في التشدد والاعتدال ونحن نعتقد بأن من مصلحة إيران وجيرانها العرب اتباع سياسة حسن الجوار واحترام سيادة كل الدول على ضفتي الخليج. وبالنسبة إلى ما عرف ب»خلية العبدلي» فمن المؤسف جداً أن يتورط أي كويتي في نشاط إجرامي ضد وطنه وهذه القضية موضع النظر الآن في محكمة الاستئناف وللقضاء الكويتي المشهود له بالنزاهة والحياد الكلمة الأخيرة فيها، وأؤكد أن الأجهزة الأمنية الكويتية متيقظة ولا تتوانى في رصد وملاحقة أي تنظيم أو تخطيط إرهابي ضد الكويت أو الخارج أياً كان مصدره أو هويته. يتحدثون عن مواجهة إقليمية بين محورين، أحدهما بقيادة السعودية والآخر بقيادة إيران، كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟ - أنا أتساءل: ألم تبتل منطقتنا بما يكفي من الحروب حتى يتحدث البعض عن مواجهات جديدة؟ علينا أن نتعظ بالماضي ولا نكرر الأخطاء، والمملكة العربية السعودية لم تتدخل يوماً في الشأن الداخلي لأي دولة بل كانت دائماً مصدر خير ودعم ومساندة لأي دولة عربية أو إسلامية، وعلى القيادة الإيرانية مسؤولية تعديل الكثير من السياسات والتوجهات لنزع فتيل التوتر في بقع كثيرة في المشرق العربي خصوصاً. أن الكويت جزء لا يتجزأ من مجلس التعاون الخليجي وأعتقد بأن أصحاب الجلالة والسمو قادة المجلس بينوا في شكل واضح ومتكرر سعيهم لتجنيب المنطقة كل الشرور وحرصهم على بناء علاقات أفضل مع الجوار مبنية على الاحترام المشترك وتبادل المصالح. لكن التدهور الخطير الذي شهده اليمن العام الماضي بسبب تجاوزات جماعة الحوثي والمتحالفين معها على الشرعية بدعم خارجي واضح تطلب تدخلاً خليجياً مباشراً لدعم الشرعية ولمساعدة الشعب اليمني الشقيق على استعادة السيطرة على سيادته الوطنية. ونحن على ثقة في الدور السياسي والعسكري الذي تلعبه المملكة العربية السعودية الشقيقة بقيادة وحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله لإعادة الأمور إلى نصابها في اليمن، وأؤكد أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية سيقوم بدوره البناء في قضايانا العربية جميعاً. كيف تنظرون إلى التحالف الإسلامي الذي أعلن أخيراً ومناورات «رعد الشمال» التي تستضيفها السعودية وما الذي يعد له هذا التحالف من خطوات؟ - الكويت جزء من هذا التحالف ولدينا وحدات من الجيش الكويتي تشارك في المناورات وهذا امتداد لالتزامنا الخليجي أساساً ضمن «درع الجزيرة» إذ كما تعلمون لدينا وحدات جوية وبرية تشارك إلى جانب الأشقاء في جهود دعم الشرعية في اليمن. وأعتقد بأن هناك اتجاهاً آخذاً في التبلور لعمل عربي إسلامي مشترك يعزز الاستقرار في المنطقة ويمنع امتداد التوتر والتهديد إلى مناطق جديدة. الاتفاق النووي بين الغرب وإيران كيف قرأتموه في الكويت؟ وهل يثير عندكم أي مخاوف من أن الاتفاق جاء على حساب الخليج؟ - بالعكس نحن مع أي اتفاق يزيل التوتر ويمنع شبح الحروب، لكل دولة الحق في التقنية النووية السلمية وقبول إيران الالتزام بالضوابط الدولية أمر إيجابي وليت المجتمع الدولي يعمل على فرض الأمر نفسه على إسرائيل التي هي مستثناة للأسف من أي جهد دولي للرقابة على صناعتها النووي وهي السبب في نشوء هاجس السباق النووي في المنطقة. كيف تنظر الكويت إلى المشهد السوري وموضوع مكافحة الإرهاب المثار دولياً؟ - المعلومات والصور القادمة من سورية كل يوم تدمي القلب وتوجع الفؤاد مما يصيب أهلنا وإخواننا من محن، هذا إضافة إلى الدمار الكبير الذي تعرض له هذا البلد العزيز، وكذلك قتل وتشريد الملايين من شعبه، ما يدفعنا إلى البحث عن حلول سياسية تنهى هذه المأساة الكبرى. ومما يحزن أكثر مسعى بعض الأطراف إلى تهميش محنة الشعب السوري وتحويل القضية إلى حرب ضد داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى. وأتساءل أيضاً: هل الإرهاب ممارسة إجرامية مرفوضة أياً كانت هوية صاحبه أم تهمة يريد البعض لصقها بالعرب والمسلمين؟ كما أنه من المستغرب جداً أسلوب تعامل القوى العظمى مع المسألة السورية مع كل ما تحمله من وحشية ومآس يدفع الشعب السوري ثمنها. نحن في الكويت عرفنا الإرهاب وواجهناه منذ الستينات ونحن في مقدم المشاركين في أي جهد إقليمي أو دولي ضد أي إرهاب مهما كانت هويته أو طبيعة الجهة التي تمارسه ونطالب بأن يكون واجب الجميع مواجهة هذه الآفة من دون انتقائية أو سوء استغلال. وأود أن أشير إلى أن الكويت فطنت منذ الشهور الأولى لمحنة سورية إلى الجانب الإنساني الكبير للقضية وعملت على تنظيم واستضافة ثلاثة مؤتمرات للدول المانحة للشعب السوري بمبادرة من سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد حفظه الله وكانت الكويت في مقدم المانحين وهذا أقل واجب تجاه الشعب السوري الشقيق. هل العلاقة مع العراق الآن هي ما تمنت الكويت بعد ربع قرن على التحرير وبعد 13 عاماً على سقوط النظام في بغداد؟ - العراق ظروفه صعبة ونحن بذلنا كل ما نستطيع في مساعدة جارنا الشقيق على تخطي مرحلة النظام السابق والانتقال إلى نظام وطني تعددي يجمع العراقيين ويكون مرتكزاً لاستقرار المنطقة بعدما كان مصدر إرباك وكوارث لها إبان حكم صدام. للأسف لم تجر الأمور في العراق كما كان مأمولاً وأعتقد بأنه على رغم وجود تدخلات خارجية فإن مسؤولية التعثر في العراق ترجع إلى فشل بعض الساسة العراقيين في تجاوز الفئة والطائفة إلى العراق الوطن، مما فتح الباب لمزيد من التدخلات الإقليمية والدولية وخلق صراعات دائمة. ولدينا علاقة جيدة مع الحكومة العراقية ونسعى دوماً إلى تعزيز كل صور التعاون الممكنة ولكن كما ذكرت العراق ظروفه صعبة ونأمل في أن يتمكن من تجاوزها. محلياً في الكويت دعوتم المسؤولين كافة في الحكومة إلى الانسجام مع خطة التقشف لمواجهة أزمة انهيار أسعار النفط، إلى أي مدى ستمضي هذه الخطة؟ - ليست هذه المرة الأولى التي نواجه فيها أزمة في أسعار النفط فقد حدثت أزمات في الماضي وإن كان التراجع الحالي كبيراً نسبياً. لكن أعتقد في أن الحاجة إلى التقشف سبقت الأزمة النفطية فلسنا في حاجة إلى خفض المصروفات كقيمة مالية فحسب بقدر حاجتنا إلى وقف الهدر غير المجدي وتحسين الإدارة الحكومية وترشيد بعض البنود في الموازنة والعمل على خلق ثقافة استهلاكية مسؤولة في المجتمع، ودعني أؤكد أنه أياً كان التصور الذي ينفذ للتقشف فلن نسمح أن يمس المواطنين الأقل دخلاً أو يمس الحاجات الأساسية للأسرة. ونحن الآن في حوار مستمر مع مجلس الأمة (البرلمان) وأنا متفائل في أننا سنتوصل إلى اتفاق مناسب لخطة التقشف التي ستكون لها نتائج إيجابية على المستوى البعيد.