تستيقظ زينة يومياً عند مطلع الفجر، تغتسل بسرعة وتأكل بسرعة وتنطلق من مدينة طرابلس شمال لبنان لتصل الى بيروت عند الساعة السابعة والنصف لتباشر عملها في أحد المصارف. في الباص تحاول زينة أن تنام أو أن تقرأ كتاباً، بيد أن الزحمة والأصوات المرتفعة والتوقف المستمر تُشتت تركيزها. تُنهي عملها عند الساعة الخامسة عصراً، فتهرول مسرعة الى الباص لتحجز مكاناً لها، تجلس في مقعد وتنام من شدة التعب. أكثر من أربع ساعات يومياً تقضيها على الطرقات، لم تعد تأبه الفتاة العشرينية لزحمة السير اذ باتت جزءاً من تفاصيل حياتها اليومية. حالة زينة لا تختلف كثيراً عن حال فئة كبيرة من اللبنانيين في مختلف شرائحهم الاجتماعية، ففي زحمة السير يتساوى الغني مع الفقير، وهدر الوقت واحد، مع بعض الاستثناءات في أن يكون الغني يتمتع بهواء بارد يلفحه من المكيف وزجاج يعزله عن الخارج، فيما الفقير ينتظر مرور الباصات مع أعداد كبيرة تشاركة الاوكسجين ذاته. قد تبدو مشكلة السير في لبنان بلا حلول، خصوصاً مع ازدياد الكثافة السكانية وتدفق سياح عرب بسياراتهم الخاصة في الصيف، بيد أن الدكتور خالد تقي يقترح تسيير التاكسي المائي على الشاطئ اللبناني من شماله الى جنوبه، لحلّ أزمة السير على الطرق العامة في المناطق الساحلية اللبنانية من خلال اعتماد نظام الامتياز التجاري وبفضل تمويل مجموعة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم. ويتضمّن المشروع أيضاً فكرة إنشاء أرصفة بحرية تضمّ محال تجارية يتسوّق فيها الركّاب، ويعتمد تنفيذه على الحكومة اللبنانية التي من المفترض أن تعطي ترخيصاً إلى الشركة المقترحة لنقل الركّاب من طريق البحر. واقتُرح أن يُطلق على الشركة الخاصة الجديدة التي ستملك مشروع «تاكسي بيروت المائي» وتشغّله إسم «بدائل النقل المائي في لبنان». وتشمل الأولويات التي أعلنت عنها الحكومة اللبنانية في بيانها الوزاري، حلّ مشاكل السير في لبنان لا سيما زحمة الصباح والمساء عند «مداخل مدينة بيروت ومخارجها». فليس هناك إمكان لشق طرق سريعة جديدة أو توسيعها ولا العمل على بناء مترو الأنفاق في ما يبدو اقتراح تخصيص يوم لتنقل السيارات التي تنتهي لوحاتها برقم مزدوج ويوم آخر لتلك التي تنتهي لوحاتها برقم مفرد غير عملي. ويشير تقي «إلى أننا لا نملك حلاً كاملاً لأنّ هذا النوع من الحلول يتطلب من الدولة إعداد خطة شاملة، غير أن هذه الاقتراح هو اقتراح جزئي وقد تمّ تطبيقه في البلدان الأخرى وحقّق نجاحاً كبيراً لأنه يقوم على النقل البحري بواسطة سفن متخصصة مصمّمة لهذه الغاية وتراعي أفضل معايير السلامة». ويضيف: «نحن بحاجة إلى أن تقدّم الحكومة لنا دعماً معنوياً وتشريعياً وليس دعماً مادياً، كما أننا بحاجة إلى الحصول على مراسيم وتراخيص تشريعية للنقل البحري وعلى عقود إيجار للأماكن العامة في المرافئ اللبنانية على مدى عشرين سنة من أجل بناء الأرصفة البحرية وتجهيزها في شكل كامل، ولن يتطلب انجاز المشروع أكثر من عام بدءاً من انطلاق العمل فيه». وستكون المحطة الرئيسة لتاكسي البحر في مرفأ بيروت، على أن تتوزع المحطات الفرعية الأخرى في مرافئ طرابلس، صيدا، صور وجونيه وجبيل. وعن بطاقات الحجز يوضح تقي انها على نوعين: واحدة تسمى بطاقة شهرية يمكن شراؤها من أكشاك وضعت خصيصاً لهذه الغاية في المحطات، وهي مخصصة للتجول في المناطق في ساعات الذروة على الطرقات، أي من السادسة والنصف صباحاً الى التاسعة صباحاً. والنوع الثاني من البطاقات يستخدم خارج أوقات الذروة حيث لا تشهد الطرقات ازدحاماً خانقاً في السير، فهي لا تتجاوز تعرفة «السرفيس» الرسمية. أما عملية شراء البطاقات فتتم من المحطة مباشرة من خلال أكشاك الحجوزات لتبدأ بعدها الرحلة التي لا تستغرق أكثر من 55 دقيقة لأطول مسافة وهي طرابلس - بيروت. وبالنسبة الى انواع القوارب المستخدمة، فهي: «شاتل» (Shuttle) وهو القارب الذي سيستوعب عدداً كبيراً من الركاب تماماً كالباص، و «كليبر»(Clipper) الذي يتميز بفخامته وبتعرفته الأعلى، و «في آ بي شاتل» (VIP Shuttle) ومهماته كالتاكسي الخاص اذ يتحرّك بناء على الطلب وتعرفته كالتاكسي البري الخاص. أما عن درجة الأمان المتخذة لتلافي مخاطر البحار، فيتحتم على سائق القارب ان يكون حائزاً شهادة سوق بحرية من نيويورك أو من لندن، اضافة الى أن أعمال الصيانة للمراكب ستكون على أيدي اختصاصيين اجانب يستقدمون خصيصاً لهذه الغاية على ان يتم في مرحلة لاحقة تدريب لبنانيين للقيام بهذه المهمة. وسيكون مسار القوارب طوال مدة الرحلة محاذياً للشاطئ، ما يستبعد وقوع اي حوادث جراء الأمواج اذا كان الطقس عاصفاً. ويلفت تقي الى أن مهمات القوارب لن تقتصر على نقل المواطنين داخل البلاد بما فيها عمليات التنقل لأهداف سياحية فحسب، بل سيتعداها الى الدول المجاورة اذ ستتضمن رحلاتها نقل السياح ايضاً من لبنان الى الدول المجاورة التي سنتعاقد معها مثل سورية وتركيا. ويستفيد التلاميذ من حسم بنسبة 50 في المئة على بطاقة التعرفة، أما المسنّون فهم الأكثر افادة، اذ يمكنهم التنقل مجاناً خارج اوقات الذروة في زحمة السير. واللافت أن مشروع التاكسي البحري سيخلق فرص عمل جديدة لللبنانيين وسيتضمن مقاهي معروفة ومحال تجارية في صالة الانتظار المجهزة بشاشات تبين أوقات الرحلات.