في الذكرى ال27 لتأسيس «اتحاد المغرب العربي» الذي لم يعمر أكثر من سبع سنوات، تبدو المنطقة المغاربية التي تأثرت سلباً بتداعيات ثورات «الربيع العربي»، بعيدة من تحقيق أهداف الوحدة والاندماج والتكامل الاقتصادي وحرية الاستثمار والتجارة والتنقل، التي كان أرساها مؤسسو الاتحاد عام 1989 في مراكش. وعلى رغم أن الحراك الاجتماعي الذي مهد ل «الربيع العربي» كان انطلق من تونس قبل خمس سنوات، احتجاجاً على الفقر والبطالة وانسداد الأفق التي عبر عنها شباب عاطل من العمل في مدينة بوزيد وكانت مقدمة للإطاحة بالرئيس بن علي وبعده إسقاط نظام العقيد الليبي معمر القذافي، فان توالي الأحداث أثبت أن مقومات الدولة القوية لم تكن متوافرة لكل مكونات الاتحاد المغاربي. وانهارت ليبيا وتشتت أوصالها، ووجدت تونس نفسها على حافة الإفلاس بسبب الهجمات الإرهابية التي فتكت بالقطاع السياحي الذي يعتمد عليه الاقتصاد بنحو 20 في المئة، كما قلص تراجع أسعار النفط طموح التنمية في الجزائر، حيث اضطرت الحكومة إلى رفع الأسعار وخفض الإنفاق وإلغاء مشاريع كبرى في البنية التحتية. وفي المقابل، حافظ المغرب على استقراره السياسي والاجتماعي وتنوع اقتصاده على رغم تحديات اجتماعية صعبة جمّة، ما جعله في المنظور الدولي أكثر دول المنطقة استقراراً وتقدماً، على رغم أنه أقل دخلاً وموارد من جيرانه المعتمدين على عائدات الطاقة. ولكن الدول المغاربية الخمس يجمعها ضعف التنافسية الاقتصادية وارتفاع بطالة الشباب من خريجي الجامعات. وصنفت «الوكالة الفرنسية لضمان الصادرات» (كوفاس)، المعنية بالتأمين على التجارة الخارجية، المغرب في المرتبة الأولى مغاربياً وأفريقياً بدرجة A4، أي الدرجة ذاتها الممنوحة لمعظم دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء البحرين، في ظل تحسن الأداء الاقتصادي والقدرة على تسديد الالتزامات المالية والتجارية والديون التعاقدية في الداخل والخارج، بما فيها حجم الاحتياط والنظام المالي والمصرفي والحوكمة التدبيرية، والانخراط في المعاهدات الاقتصادية الدولية. وتوقعت الوكالة تراجع عجز الموازنة إلى 3.5 في المئة وعجز الحساب الخارجي إلى 3.7 في المئة هذه السنة، مقارنة ب5.2 في المئة و8 في المئة على التوالي عام 2013. وأعلنت أن قوة الاقتصاد المغربي تتركز في تنوعه واعتماده المتصاعد على الصادرات الصناعية مثل السيارات والطائرات والملابس والصيدلة والكيماويات وتقنيات الاتصال، بينما يكمن ضعفه في الفوارق الاجتماعية والمناطقية وتبعيته للقطاع الزراعي وارتفاع البطالة. وخفضت «كوفاس» تصنيف الجزائر إلى درجة B، على اعتبار أن البلد يعاني أخطاراً اقتصادية وسياسية، ومنها تراجع إيرادات عائدات النفط والغاز نحو 70 في المئة منذ منتصف عام 2014، ومخاوف سياسية حول مستقبل البلد في حال وفاة الرئيس. وأشارت إلى أن الاعتماد المفرط على مبيعات المحروقات يضع الاقتصاد الجزائري في تبعية سلبية ترهن 30 في المئة من الناتج الوطني الإجمالي لمزاج السوق الدولي. وتوقعت أن يبلغ عجز الموازنة نحو 12 في المئة وعجز الحساب الجاري نحو 11 في المئة من الناتج خلال العام الحالي، وارتفاع المديونية إلى 13.6 في المئة من 8.3 في المئة عام 2013. ولفتت إلى أن الجزائر تمر بفترة صعبة على رغم تعديل الدستور، بسبب الانهيار الاقتصادي المحتمل والضبابية التي تخيم على الآفاق السياسية. وأعلنت «كوفاس» أن «التخلي عن تنفيذ بعض المشاريع سيزيد عدد العاطلين من العمل، ما ينذر بأخطار اجتماعية، كما أن ضغط البيروقراطية الإدارية وتعقد أنظمة مناخ الأعمال وتدخل الجيش في الاقتصاد، تقلص فرص جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، في حين يتراجع مركز البلد الاقتصادي ومعه الدور السياسي الإقليمي، باتساع الهوة والشك بين المؤسسات والمجتمع». وبين المغرب والجزائر، يبدو أن تونس تراهن على دعم المؤسسات الدولية المانحة وتتفاوض مع صندوق النقد الدولي حول خطوط ائتمانية ب1.7 بليون دولار. وصنفت «كوفاس» بلاد الياسمين في درجة B بسبب استمرار التهديدات الإرهابية ضد المنتجعات السياحية التي يعتمد عليها 15 في المئة من السكان البالغ عددهم 11 مليوناً، بدخل فردي يقدر ب4422 دولاراً. وتحتاج تونس إلى إعادة رسملة مصارفها التجارية بنسبة 1.6 في المئة من الناتج الإجمالي، وهي مضطرة إلى الاستدانة لتمويل جزء من عجز الموازنة وإصلاح أنظمة الضرائب. وتوقعت «كوفاس» أن تزيد أخطار صعوبة التسديد على المدى القصير، ولكن الاستمرار في المشاريع الكبرى التي يساهم فيها البنك الدولي و «البنك الإفريقي للتنمية» و «الوكالة الفرنسية للتنمية»، من شأنه الحفاظ على مستوى مقبول من النشاط الاقتصادي، ما قد يرفع النمو إلى 1.5 في المئة خلال العام الحالي، مقارنة ب0.5 في المئة العام الماضي، ويقلص عجز الحساب الجاري إلى 7 في المئة وعجز الموازنة إلى 4 في المئة. وتبقى ليبيا البلد المريض في شمال أفريقيا ومصدر كل الأخطار والتهديدات واحتمالات التدخل الخارجي. وعبر وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار في لقاء مع نظيره الأميركي جون كيري في واشنطن، عن مخاوف من تأثير سلبي للعمليات العسكرية الغربية على المنطقة واقتصاداتها، خصوصاً التدفقات السياحية والاستثمارية والاستقرار الإقليمي في انتظار إرساء حكومة جديدة. وتصنف ليبيا منذ سنوات عند درجة D، في أسفل سلم التصنيفات الائتمانية وأعلى درجة الأخطار الأمنية والاقتصادية والتجارية في المنطقة المتوسطية، إلى درجة اتهام ميلشيات وزعماء قبائل بالإتجار بالنفط المسروق والبشر والأسلحة والمواد المهربة. وتخسر تونس 2 في المئة من نتاجها المحلي بسبب الأوضاع المتدهورة في ليبيا، بينما يخسر المغرب والجزائر النسبة ذاتها بسبب استمرار إغلاق الحدود بين البلدين منذ العام 1994. وتخسر المنطقة نحو 20 بليون دولار سنوياً نتيجة وقف العمل باتفاق «الاتحاد المغاربي»، وبذلك يضعف دورها الإقليمي وتتزايد أعداد المهاجرين وحالات التدخل الخارجي والأخطار. مؤتمر دولي يدعو الى القضاء على الفقر اعتبر المشاركون في «المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية»، الذي استضافه البرلمان المغربي لمناسبة «اليوم العالمي للكرامة الإنسانية»، أن تحقيق مزيدٍ من التقدّم الاقتصادي والاجتماعي الدولي، وتحسين مستوى معيشة الفئات الفقيرة والمهمّشة، عبر تطوير الخدمات الأساس وضمان جودة التعليم والصحة وتكافؤ فرص العمل والمساواة، يمثّلان صمام آمان أمام تنامي التطرف والحركات الإرهابية والإجرامية العابرة للحدود. وأكدت وثائق المنتدى أن القضاء على الفقر في كل صوره وأبعاده، هو التحدي الأكبر الذي يواجه العالم، وهو شرط لا غنى عنه لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الأمني. وأكد الملك محمد السادس في رسالة موجّهة إلى المؤتمر، علاقة الترابط بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وقال: «نؤكد في خطبنا ورسائلنا الموجهة إلى مختلف المنتديات الوطنية والدولية، الترابط الوثيق بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والتماسك الاجتماعي، من منطلق قناعتنا الراسخة بأن لا معنى لتحقيق مستويات نمو اقتصادي من دون العمل المنسّق، عبر سياسات عامة فاعلة وهادفة، قائمة على توزيع ثمار النمو الاقتصادي في شكل منصف وعادل على مختلف فئات الشعب». واعتبر رئيس الحكومة الإسبانية السابق لويس ثاباثيرو، أن تحقيق الأمن والاستقرار في أي بلد، يجب أن تواكبه التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم على العدل والمساواة والحرية والكرامة وتعميم التعليم والصحة والخدمات، وصولاً إلى رفاهية المجتمع. وأشاد بما حققه المغرب من نهضة اقتصادية واستقرار اجتماعي في منطقة غير مستقرة أمنياً، لافتاً إلى أن «المغرب هو البلد العربي الوحيد الذي تمكّن من تحقيق أكبر قدر من التوافق الاجتماعي والسياسي والفكري حول كل القضايا المطروحة». وأشار رئيس البرلمان الدولي من بنغلادش، الى أن القضاء على الفقر المدقع وخفض عدد الفقراء إلى النصف بحلول عام 2030، هما أهم خطة عمل اجتماعية تتبناها الأممالمتحدة للأجيال المقبلة، لوجود علاقة قوية بين الأمن والتنمية، واعتبر «أن محاربة الإرهاب يجب أن تترافق مع محاربة الفقر والأمية والتهميش، وإقرار العدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية»، متسائلاً عن «صورة العالم عام 2050 عندما سيبلغ عدد السكان نحو عشرة بلايين؟».