رفعت مؤسسات التصنيف الائتماني الأوروبية درجة الأخطار السياسية والتجارية والاستثمارية في منطقة شمال إفريقيا بعد بدء المعارك في ليبيا، وصدور قرار مجلس الأمن الدولي بفرض حظر جوي، واستمرار القلاقل الاجتماعية وعدم اتضاح الرؤية السياسية في أكثر من بلد عربي. وتستعد مؤسسات تصنيف ائتماني مثل «كوفاس» الفرنسية و «دوكروار» البلجيكية و «يولير هيرمس» وغيرها، لإصدار بيانات جديدة نهاية الشهر الجاري، في شأن الأخطار السيادية في منطقة شمال إفريقيا الممتدة من مصر إلى المغرب، تعيد فيها تصنيف حجم التأثير السياسي على العلاقات الاقتصادية والتجارية، وقدرة التسديد بالنسبة للشركات والديون السيادية والوفاء بالالتزامات المالية الخارجية. وحلت ليبيا في أعلى درجة من ناحية الأخطار السيادية في المجالات السياسية والاقتصادية بترتيب 7 على 7، بعد تدويل الأزمة ورفض العقيد القذافي التنحي عن السلطة. وجاء في بيانات مؤسسة «دوكروار» «وكوفاس» أن الجماهيرية تتمتع بأقل نسبة ثقة دولية في مجموع المنطقة العربية. كما انعكس الوضع سلباً على المعاملات التجارية وقدرة التسديد الخارجية إلى درجة سي (سيئ)، وهي اقل معدل ائتماني على الإطلاق، في إشارة إلى ضرورة توخي الحذر في التعامل المالي والتجاري مع نظام القذافي، الذي جمدت غالبية دول الاتحاد الأوربي ودائعه وأصوله المالية المقدرة بين 40 و50 بليون دولار. واعتبرت المؤسسات الأوروبية أن الأزمة في ليبيا انعكست سلباً على مجموع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تعيش درجات مختلفة من الاحتقان الاجتماعي. ولن يتحسن المؤشر قبل ظهور بوادر انفراج وتقدم في المجالات السياسية والحقوقية، والاستجابة إلى مطالب المواطنين وإقرار الديموقراطية وحقوق الإنسان وتوزيع عادل للثروات. وبحسب الترتيب، حَلَّ المغرب في المرتبة الأولى في مجال ضعف الأخطار السياسية، الدرجة الثانية من سبعة، بعد إعلان الملك محمد السادس عزمه إدخال تغييرات جذرية على الدستور، تشمل توسيع صلاحيات رئاسة الحكومة والبرلمان وتعزيز الحقوق السياسية والضمانات الاقتصادية والاجتماعية. وتعتبر الرباط، التي حصلت على الوضع المتقدم من الاتحاد الأوروبي قبل سنتين، من العواصم الأقل تضرراً بأحداث المنطقة العربية، مع احتمال تحقيق معدل نمو مرتفع يبلغ 5 في المئة، نتيجة تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية، خصوصاً الزراعة والسياحة. لكن البلد يواجه تحديات اجتماعية كبيرة مثل زيادة الفقر وبطالة الشباب. وأشار ملخص التقرير الى أن «المغرب يبقى أكثر الدول العربية استقراراً على رغم الصعوبات الاجتماعية، بفضل استجابة الملك وشعبيته، وتحقيق تقدم في مجالات مناخ الأعمال والحقوق المدنية». واستعادت تونس تصنيفها السياسي إلى الدرجة الثالثة من أصل سبعة بعد نجاح الثورة وبداية الإصلاح والاستقرار، واستئناف الأنشطة السياحية التي تعتمد عليها، وحصول البلاد على دعم اقتصادي وسياسي من واشنطن والاتحاد الأوروبي، وهي تصنف إلى جانب المغرب في رتبة «باء» في مجال الأخطار الاقتصادية والتجارية. وحصلت الجزائر، التي لم تتضح آفاقها السياسية بعد مع استمرار حالة الاحتقان الاجتماعي الذي ُيواجه بمنع التظاهر الشعبي، على تصنيف متأخر بدرجة أربعة من سبعة سياسياً، كما تواصل الترتيب المرتفع تجارياً إلى درجة «سي»، على رغم عائدات البلد من النفط والغاز، نتيجة عدم شفافية صرف الموارد واستمرار العمل بأنظمة مالية واقتصادية متجاوزة. وتعاني الجزائر من بطالة تقدر رسمياً ب15 في المئة، في وقت تفيد منظمات المجتمع المدني بأنها تتجاوز 40 في المئة. كما يواجه البلد مشاكل في مجال السكن وغياب الطبقات الوسطى والبيروقراطية الإدارية والفساد. ويقدر مجموع سكان شمال إفريقيا، من مصر إلى المغرب، بنحو 170 مليون نسمة، والناتج القومي بأكثر من 600 بليون دولار، لكنها غير متجانسة من حيث مستويات الحريات والتنمية والقوانين، وتغيب عنها مشاريع البنية التحتية المشتركة، على عكس الاتحاد الأوروبي، الذي تجمعها به اتفاقات اقتصادية وتجارية وسياسية، باستثناء ليبيا. ويرتبط المغرب وتونس ومصر والأردن باتفاق إعلان «اغادير التجارية» لعام 2004 .