قبل فترة نشر عباس كياروستامي في بعض الصحف الإيرانية رسالة مفتوحة للتضامن مع المخرج جعفر بناهي المعتقل حالياً في إيران. في هذه الرسالة ذكّر كياروستامي بالظروف التي تحيط بعمله في إيران، وأشار إلى أنه يحقق أعماله بموازنة ضئيلة، وإلى أن توجهه نحو الخارج لإنتاج أفلامه لم يكن إلا ضرورة جاءت رغماً عنه. كما قال إنه فقد الأمل برؤية أفلامه معروضة في بلده. عشر سنوات ونيف مضت على عرض آخر فيلم لكياروستامي في إيران. كان «ستحملنا الريح بعيداً» الذي عرض في مهرجان فجر عام 1999، لكن عدم عرض أعمال كياروستامي على الشاشة الكبيرة في إيران لا يمنع توافرها كلها على الأقراص المدمجة، وهو ما اعتبره المخرج الشهير «وسيلته الوحيدة» للتوجه نحو مواطنيه. كياروستامي الذي لا يرغب بترك وطنه الذي «يفضله على أي بلد آخر»، كما ذكر في مقابلة لمجلة «فيلم» السينمائية، توجه وللمرة الأولى لتحقيق فيلم له خارج هذا البلد. وكان العمل الروائي الأول له بعيداً من إيران، وبه يعود كياروستامي إلى مهرجان كان وإلى المسابقة الرسمية تحديداً، بعد مرور ثلاث عشرة سنة على فوزه بالسعفة الذهبية فيها عن «طعم الكرز». «نسخة طبق الأصل» فيلم عباس كياروستامي الأخير هو الأول الذي يعمل فيه مع ممثلين محترفين عالميين. البطولة للفرنسية جولييت بينوش ويرافقها وليم شيمل، مغني الأوبرا الذي يمثل للمرة الأولى بعد أن سبق وظهر في أوبرا أخرجها كياروستامي قبل سنتين. دور شيمل كان مقرراً لروبرت دو نيرو الذي اعتذر عن القيام به لانشغاله. فيلم عن «آدم وحواء» كما وصفه كياروستامي، وفيلم عن جولييت بينوش ولأجلها كما قد نقول بعد رؤيته. ثمة رابط بين بينوش والشخصية. كياروستامي، بعد أن عرض فيلمه على مجموعة محددة ومحدودة من المتلهفين لرؤية عمله الأخير، في محاولة ربما لجس نبض الجمهور قبل عرض الفيلم في كان، قال إنه حين أرسل السيناريو لبينوش وقرأته مع رفيق حياتها فإن هذا الأخير علق قائلاً «لقد دس أنفه في حياتنا الخاصة». السيناريو الذي كتبه كياروستامي، هو عن رجل وامرأة يلتقيان ويلفان شوارع فلورنسا والحوار بينهما لا ينقطع، هي مديرة صالة عرض التحف الفنية في فلورنسا وهو زائر عاد إلى المدينة بعد غياب أربع سنوات للمشاركة في مؤتمر عن الأعمال الفنية الأصلية والمنسوخة . يبدو وكأن لا علاقة من نوع خاص تجمع بينهما ولكن تتابع الأحداث يبدي علاقة غامضة بين الاثنين. زوجان سابقان؟ عشيقان سابقان؟ يلعبان لعبة ما؟ لغة المحادثة تتنقل بين الإنكليزية والفرنسية والإيطالية، ويحصل مزج لغوي في بعض المواقف فيتحدث البطل الإنكليزية لغته الأم وترد هي بالفرنسية. فيلم يتكئ على الحوار كمعظم أعمال كياروستامي، كما الغوص في التفاصيل الحياتية لأبطاله عبر الكلام عنها وليس عبر الحدث، وكعدة من أعماله أيضاً تحضر السيارة كوسيلة لكشف مكنون الشخصيات، كمكان لتبادل الأحاديث، للتفاهم أو للعراك. السؤال الذي يطرحه العمل هو هل تساعد النسخة على فهم الأصل؟ هل إن ردود أفعال الناس أمام لوحة ما، شهيرة بالضرورة، هي بسبب النسخة التي سبق لهم ورأوها عشرات المرات؟ لقد قال كياروستامي لنا إنه صور الكثير من زائري متحف اللوفر والتقط ردة فعل كل منهم أمام لوحة الجيوكندا وإن هذا كان «شيئاً رائعاً». فهل ثمة رابط بين الجيوكندا وبينوش؟ وهل بانت بينوش «الأصل» في فيلمه بعد أن رأينا «نسخاً» عنها في أفلام سابقة؟ قد يكون الجواب تعليقاً لبينوش في مقابلة صحافية: «انسوا ما شاهدتموه مني قبلاً، فهنا سترونني أنا». شاهدنا الفيلم في نسخته الأولى في طهران قبل أن تكتمل العمليات التقنية ولذلك سيصعب الحكم عليه، لكن يمكن القول إننا بحثنا عن كياروستامي «أين منزل الصديق؟» ولم نجده. بالطبع، سنين طويلة مضت بين العملين نال خلالها كياروستامي السعفة الذهبية في كان. لكن كياروستامي بات شيئاً مختلفاً منذ ذلك الحين... فهل سنتساءل أين كياروستامي الذي استطاع ببساطة وشاعرية سينماه وبراعة عدسته أن يكون من عباقرة السينما الإيرانية والعالمية؟