حققت «الإنترنت» تطوراً مطرداً في مجال إدارة الوثائق والأرشيف، وترافق ذلك مع تنامي ظاهرة «الأرشيفات الوطنية الإلكترونية» Electronic National Archives عليها. ويشير واقع الشبكة راهناً إلى اقتصار عدد الدول العربية التي لديها مواقع شبكية لأرشيفاتها الوطنية، على ست دول، ما يدل على غياب التنّبه المناسب عربياً لأهمية هذه الأداة التقنية. ويظهر تفاوت بين هذه الدول الست في القدرة على استخدام الارشيف الالكتروني الوطني على الوجه الأفضل. كما يدل على عدم وضوح المفهوم العلمي للأرشيف عند صُنّاعها، ما يدفع إلى طرح سؤال مقلق عن موقع العرب في المنظومة التكنولوجية العالمية في مجال إدارة الوثائق والأرشيف؟ وتسعى دراسة عنوانها «الأرشيفات الوطنية على الإنترنت» لتقديم إجابة عن هذا السؤال الصعب، إضافة الى تعريف بظاهرة الارشيف الوطني الالكتروني ومكوّناتها، والخبرات المتنوّعة في هذا المجال. ظهرت هذه الدراسة أخيراً في كتاب (222 صفحة) للباحثة رشا محمد إبراهيم، صدر عن «المجلس الأعلى للثقافة» في القاهرة. وتتضمن الدراسة تقويماً ل14 موقعاً رقمياً لأرشيفات وطنية تمثل القارات كلها، إضافة إلى دراسة تفصيلية لعيّنة من مواقع أرشيفات وطنية من العالم العربي. الارشيف الأميركي أولاً والجامايكي «مفتوح» يحتوي الكتاب على دراسة للأرشيفات الوطنية الالكترونية لتونس ولبنان والسعودية وكينيا وجنوب أفريقيا واليابان والهند وجامايكا والولاياتالمتحدة الأميركية وإنكلترا وفرنسا وبلغاريا وألمانيا وأستراليا. وتبيّن كاتبته أن عملية التقويم تمت وفقاً لمعايير شملت المحتوى، الخدمات، الشكل والتصميم، وإمكانات الاستخدام. ولاحظت الدراسة أن سبعة من تلك المواقع تتيح الاطلاع على بعض وثائقها على الإنترنت، هي أرشيفات تونسواليابان والهند وأميركا وإنكلترا وجامايكا وألمانيا. وكذلك توضح ان هذه الإتاحة ليست مطلقة، بل اختارت الأرشيفات كافة ان تسمح بإطلاع الجمهور على نماذج من وثائقها، ما عدا الأرشيف الجامايكي الذي يقدّم مضمونه كاملاً مقابل الاشتراك في الموقع ودفع الرسوم الخاصة بذلك. وتفاوتت كمية الوثائق المتاحة في تلك الارشيفات الوطنية الالكترونية، فكان أكثرها عدداً الأرشيف الأميركي يليه الأرشيف الإنكليزي. واهتمت عشرة مواقع، تمثل نسبة 71.4 في المئة من إجمالي المواقع التي تناولتها الدراسة، بإتاحة فهارس وقواعد بيانات خاصة بالوثائق. وينطبق ذلك على مواقع الارشيفات الوطنية لتونس وكينيا وجنوب أفريقيا واليابان وجامايكا وأميركا وإنكلترا وألمانيا وأستراليا. في المقابل، اكتفت الأرشيفات الوطنية لليابان والمملكة العربية السعودية والهند وبلغاريا بعرض قوائم عن مجموعات الوثائق الموجودة فيها. ولاحظت الباحثة أن خمسة مواقع إرشيفية (= 35.7 في المئة) اهتمت بتوضيح شروط ضمان سرية المعلومات الشخصية، ووجود وسائل حماية لها، وهي التي صنعتها أميركا وإنكلترا وفرنسا وأستراليا وألمانيا. ويعتبر الأرشيف الإلكتروني الأميركي أكثر المواقع كثافة في الصور، يليه الإنكليزي. وحرصت غالبية تلك المواقع (11 موقعاً، ما يساوي 78.5 في المئة) على توحيد مقاس الصور في دواخلها، وهو الوصف الذي ينطبق على أرشيفات لبنان وكينيا واليابان والهند وجامايكا وأميركا وإنكلترا وألمانيا وأستراليا. وتناول الكتاب إمكانات الاستخدام والتصفّح في الأرشيفات الوطنية الرقمية، موضحاً أن 14.2 في المئة منها تقدّم هاتين المواصفتين، هما أرشيفا أميركا وإنكلترا. وكذلك يتضّح أن 42.8 في المئة من المواقع التي جرت دراستها، فيها خرائط تبيّن أقسام الأرشيف، مع ملاحظة ان ذلك الوصف ينطبق على أرشيفات تونس، اليابان، الهند، إنكلترا، ألمانيا وأستراليا. كما كشفت الدراسة أن 42.8 في المئة من المواقع لديها محرك بحث خاص، وهي التي ترجع الى الهند، جامايكا، أميركا، انكلترا، ألمانيا وأستراليا. وعمدت ثلاثة أرشيفات وطنية (تونس، جامايكا وفرنسا) للتعاون مع محرك البحث الشهير «غوغل»، ما يمثّل 21.4 في المئة من إجمالي المواقع موضع الدراسة. ووضعت ستة مواقع (42.8 في المئة) وصلة للمساعدة، ويشمل ذلك تونس وكينيا وجنوب أفريقيا واليابان وأميركا وإنكلترا. وكذلك لاحظ الكتاب وجود نوع من التدرّج في استخدام الوصلات الإلكترونية. وأظهرت الوصلات الإلكترونية تدرّجاً منطقياً في 10 أرشيفات وطنية، هي: تونس، والسعودية، واليابان، والهند، وجامايكا، وأميركا، وإنكلترا، وفرنسا، وألمانيا، وأستراليا. درست رشا إبراهيم سرعة التعامل مع مُكوّنات الارشيف. واتضح لها أن زمن تحميل الصفحات الإلكترونية من مواقع الأرشيف اللبناني، والسعودي، والياباني والأميركي، يبلغ ثانية، بينما استغرق زمن تحميل مواقع الأرشيف التونسي والكيني والهندي والجامايكي والانكليزي والفرنسي والألماني ثانيتين، وحلّ أرشيفا استراليا وجنوب أفريقيا في المرتبة الأخيرة. وتناولت الدراسة مسألة إتاحة الموقع عبر محركات البحث. وتبيّن أن من الممكن الدخول إلى 92.8 في المئة من الأرشيفات الوطنية الإلكترونية موضع الدراسة، بسهولة عبر الأدلة والبوابات الرقمية الخاصة بها. وشمل ذلك المواقع كافة، باستثناء موقع الأرشيف السعودي. في المقابل، اتّضح أن من الممكن الوصول إلى 50 في المئة من هذه المواقع عبر محركات البحث الشائعة على الانترنت مثل «ياهو» و «غوغل» و «ألتافيستا». وينطبق ذلك على مواقع الأرشيف الوطني لتونس، وجنوب أفريقيا، وجامايكا، والولاياتالمتحدة، وإنكلترا، وألمانيا وأستراليا. تمعّنت رشا إبراهيم في الخدمات المقدمة في الأرشيفات الوطنية، مُبيّنة ان نصفها يقدم خدماته في شكل مجاني (تونس، السعودية، كينيا، اليابان، الهند، جامايكا، بلغاريا). في المقابل، تجمع 42.8 في المئة من المواقع بين الخدمات المجانية وغير المجانية معاً، ويظهر ذلك في أرشيفات جنوب أفريقيا، أميركا، انكلترا، فرنسا، ألمانيا، أستراليا. ولا يقدّم الأرشيف اللبناني خدمات للجمهور على الإطلاق. وتتيح ثلاثة أرشيفات وطنية خدماتها بصورة مدفوعة حصرياً، هي تلك التي تتبع الولاياتالمتحدة وإنكلترا وأستراليا. وتفتح 6 أرشيفات المجال للدفع عبر الشبكة كطريقة للحصول على خدماتها، ما يمثل نصف المواقع التي تناولتها الدراسة. روابط وخدمات و... بحسب كتاب «الأرشيفات الوطنية على الإنترنت»، تقدّم خمسة مواقع وصلات إلكترونية تربطها مع أرشيفات وطنية أخرى ( 35.7 في المئة)، بينما تقدم نصفها روابط مع جهات ومؤسسات مهمة في مجال الوثائق والأرشيف. وينطبق ذلك على الأرشيف الوطني لتونس، وجنوب أفريقيا واليابان وجامايكا وأميركا وإنكلترا وألمانيا وأستراليا. ويكشف الكتاب أن 85.7 في المئة من المواقع المختارة تقدم قوائم بالمنشورات التي ينتجها الأرشيف، كحال مواقع الارشيف الوطني لتونس والسعودية وجنوب أفريقيا واليابان والهند وجامايكا وأميركا وإنكلترا وفرنساوألمانيا وأستراليا. وتظهر خدمة الرد على الأسئلة والاستفسارات، في 13 موقعاً من مواقع الأرشيفات الوطنية موضع الدراسة ( 92.8 في المئة). وتقدم 6 مواقع نماذج لأكثر الأسئلة تكراراً («فاك» FAQ) مع إجابتها، وهو ما يظهر في أرشيف تونسواليابان والهند وجامايكا وأميركا وإنكلترا وبلغاريا وألمانيا وأستراليا وجنوب أفريقيا. وتتيح ستة مواقع إمكان طباعة نسخ الوثائق من المواقع وتحميلها، وبالتطابق مع تقديمها إمكان الاطلاع على نسخٍ إلكترونية للوثائق التي تحتويها. وينطبق الوصف على المواقع الالكترونية لأرشيف تونسوجنوب أفريقيا وأميركا وإنكلترا وألمانيا وأستراليا. كما تُقدم ستة مواقع خدمات التصوير والحصول على نُسخ مطابقة للأصل. وفي ختام الكتاب، توصّلت الباحثة رشا إبراهيم الى نوع من التقويم الإجمالي لمواقع الأرشيفات الوطنية على الانترنت. وبحسب رأيها، جاء أرشيف انكلترا في المركز الأول، تلاه الأميركي، ثم الألماني. وتقاسم أرشيفا تونسواليابان المركز الرابع. واحتل أرشيف جامايكا المركز الخامس. وجاء الارشيف الأسترالي سادساً، تلاه الهندي والفرنسي والجنوب إفريقي ثم الكيني. وبالنسبة الى الدول العربية، حلّت المملكة العربية السعودية في المرتبة الحادية عشرة، والأولى عربياً، وتلاها لبنان. وتذيّل القائمة الارشيف البلغاري. وخلصت الباحثة الى القول بوجود ضعف في مستوى تلك الأرشيفات عموماً، مترافقاً مع عدم استثمار التكنولوجيا الأكثر تقدماً في بنائها وتصميمها. وكذلك ارتأت أن غالبيتها لم تحدّد أهدافها ولا تاريخ إنشائها، كذلك لم تهتم بوضع تاريخ آخر تحديث لها على الموقع، مُشدّدة على أن حرية الاطلاع على الوثائق، ما زالت مقيدة.