يلتقي مساء اليوم «أصدقاء الإبداع» مع عدد من مثقفي الوطن في ديوانية «الملتقى الثقافي» في القطيف لإحياء الذكرى العاشرة لرحيل الروائي عبدالعزيز مشري، مستعيدين كلمات وألحان وأغاني شدا بها الراحل في مناسبات خاصة ووثقها في تسجيلات أرشيفية غير قابلة للتداول، ويسهم أدباء وكتاب سعوديون وعرب في المناسبة، منهم الشاعر محمد العلي والناقد الدكتور حسن النعمي والإعلامي قينان الغامدي والموثّق محمد القشعمي وصديق الراحل وشقيقه أحمد مشري والشاعر حسن السبع والكاتب نجيب الخنيزي والناقد الاجتماعي عبدالله العبدالمحسن والشاعر محمد الدميني، فيما يقدم الفنان الشاب عماد العبدالباقي عدداً من ألحان الراحل المشري وأغانيه ويهديه أغنية خاصة لحنها محمد العبدالباقي. ويصف الشاعر علي الدميني المشري بالمعجم الإبداعي، والقاموس التراثي، والمثقف التنويري، لافتاً إلى أن المشري كان ميالاً في طفولته إلى العزلة والهدوء والقراءة، إضافة إلى كونه مفتوناً بالأناقة والجمال ما تولد عنه احتفاؤه بالرسم والخط، مثمناً لأصدقاء الإبداع وديوانية الملتقى الثقافي محاولتهم الجادة لتحدي ظاهرة العقوق للمبدعين والمثقفين الراحلين، في ظل تجاهل صارخ من المؤسسات الثقافية الرسمية للرموز، ما يحفّز مثقفي القطاع الخاص والمؤسسات الأهلية على تبني مثل هذه المبادرات، لكي لا يتحول المثقف إلى متفرج في منصات الجحود كما وصف. ويلفت الشاعر محمد العلي إلى خصوصية قل ما تتوافر في أدب سوى أدب المشري، مرجعاً قوة إبداعه إلى مقاومته وتجاهله للكثير من إغراءات الكآبة ووحشيتها، لافتاً إلى أن المشري غض الطرف عنها، مستعيضاً بالمرح المعاند والعناد المرح، مشيراً إلى أن المشري لم يكن يطرح في لقائه بالأصدقاء هماً ذاتياً أو قضية شخصية، بقدر ما كان يتعاطى مع القضايا العامة والهموم الفكرية والثقافية. من جانبه، أفصح الكاتب قينان الغامدي عن علاقة خاصة ربطت بينه وبين المشري تجلت في حوارات مشتركة ومسامرات ثقافية، لافتاً إلى حس المشري الإنساني الرفيع، ما دفعه للعمل مرشداً اجتماعياً ونفسياً لمرضى الفشل الكلوي في مستشفى الملك فهد في مدينة جدة. ويلخص الناقد الدكتور حسن النعمي تجربة المشري في ثلاثة محاور، تتمثل في المكان والإنسان والهم الاجتماعي، لافتاً إلى أن القرية في مراحلها الثلاث الفاعلة والمتحولة والمستلة هي محور اهتمام أعمال المشري. فيما يرى الشاعر محمد الدميني أن المبدع لا ينتهي، كونه حيّاً في كلماته، والقارئ يسبغ عليه حياة جديدة كلما تذكره أو قرأه. ويصف المشري بالمفتون بالنماذج المنفردة في السرد عبر أحاديث معمقة تذهب إلى تفحص الأساليب، وتلمس مدى استثمار تلك التجارب في صنع هوية محلية سردية لفضائنا الحكائي. فيما أرجع الكاتب نجيب الخنيزي إحياء الذكرى العاشرة إلى محاولة استعادة بعض من سيرة حياة وإبداع وفكر ووجدان إنساني لإحدى الشخصيات المؤثرة والمهمة في الحراك الثقافي والأدبي والإبداعي الحديث في بلادنا، مضيفاً أن الراحل عبدالعزيز مشري كرّس حياته القصيرة في عمر الزمن لما يغني بالمضامين الإنسانية العميقة، موضحاً أن أهم ما يميز المشري هو تعدد المواهب، إذ توزع نتاجه بين كتابات أعمال إبداعية من سرد وقصة ورواية واهتمامات فنية تشكيلية وموسيقية وخطوط يجمعها شعور ومنظور إنساني رفيع. ويضيف الخنيزي أن المشري يرفض مقولة «الفن للفن» باعتباره نشاطاً مسلياً ومصدر إمتاع آني، راصداً حرصه على تجاوز التقريرية والخطابية والتبشيرية الأيديولوجية الفجة على حساب جماليات وروح العمل الإبداعي، مستعيداً رفض المشري الاستسلام للتشوه والعجز في عدم الجدوى، مؤكداً أنه يتأبى أن يكون أدب المشري محايداً. فيما يستعيد الدكتور معجب الزهراني صديقه الذي غاب ولن يموت، من خلال قراءة ما دوّن عبدالعزيز المشري من ذاكرة القرية نثراً حميماً، لافتاً إلى أنه لم يبالغ إذ حاور كتابته الروائية منذ حوالى ربع قرن، وعدّها علامة على توجه جديد في روايتنا الوطنية التي لم يكتب منها إلى اليوم سوى العتبات والحواشي، مضيفاً أن المشري كسب الرهان مرتين، مرة ضد الجسد الذي خانه، فاستصفى منه مخيلة خصيبة لا تخون مبدعا مثله، وكسبه ثانية ضد الخراب الذي لحق بعالم كامل لم نحسب أنه سيندثر بهذه السرعة وبهذه الطريقة الكارثية العجيبة. فيما استعرض أحمد مشري باعتباره شقيق وصديق وتوأم المشري، جانباً من سيرة أخيه عبدالعزيز، وقال: «سافر المغزول من على الماء، مصحوباً بريح الوسمية وخيراتها، ليلتقي على طريقه ابن السروي، وعنترة وابن عود»، واصفاً نتاج المشري بالقامة التي وقفت لها السنابل وتجلت في قوة المرأة الجنوبية «صالحة» المتحولة من مادي أنثوي إلى زهور تبحث عن آنية، لافتاً إلى أن المشري رحل جسداً وبقي روحاً دافئة تحلّق في سماوات شتاءات عدة. من جانبه، يرى الشاعر حسن السبع أن أبرز ما يغري بصداقة المشري يتمثل في صفتي الدفءُ والدعابة، مستعيداً مع الراحل حالة الدفء في قصته (الهواتف)، إذ قال: «أليس بعض الأصدقاء كالدواء، وبعضهم كالدواء والماء تحتاجه وقتَ الألم والظمأ؟»، مجيباً: «بلى، ولكن بعضهم تجده يجري في عروقك مع دمك»، مؤكداً أن المشري من أكثر أصدقائه ميلاً للدعابة، مستعيداً ما قيل في التراث «من كانت به دعابة فقد برئ من الكِبْر»، مشيراً إلى صفة جميلة أخرى تمتع بها المشري تتمثل في التواضع.