جدد الجيش التركي أمس لليوم الثاني على التوالي قصف مواقع للمقاتلين الأكراد شمال سورية، رداً على إطلاق نار من هذه المواقع، في وقت دانت الحكومة السورية القصف التركي، ورفض «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي» سحب قواته من ريف حلب بناء على طلب أنقرة. في غضون ذلك، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أنه «ارتفع إلى نحو 18 عدد الضربات الجوية التي نفذتها طائرات حربية يرجح أنها روسية على مناطق في بلدة تل رفعت بريف حلب الشمالي، ترافق مع استمرار معارك الكر والفر بين قوات سورية الديموقراطية (تضم أكراداً وعرباً) من جهة، والفصائل الإسلامية والمقاتلة من جهة أخرى في البلدة، بينما نفذت طائرات حربية روسية عدة غارات على مناطق في بلدة معارة الارتيق بريف حلب الشمالي الغربي». كما قصف الطيران المروحي ب «البراميل المتفجرة مناطق في بلدة عندان بريف حلب الشمالي وسقطت قذائف على مناطق في قريتي مريمين وتنب بريفي عفرين وأعزاز، أطلقتها القوات التركية على مناطق في القريتين وأماكن أخرى تسيطر عليها قوات سورية الديموقراطية بريفي حلب الشمالي والشمالي الغربي، وسط حركة نزوح لمواطنين من قرى تسيطر عليها قوات سورية الديموقراطية بريفي أعزاز وعفرين نحو مناطق آمنة، تخوفاً من قصف القوات التركية على المنطقة». وقالت مصادر أن «350 من مقاتلي فصيل مقاتل مزودين بأسلحة خفيفة وثقيلة، دخلوا عبر معبر أطمة العسكري بريف حلب الشمالي، ووصل قسم منهم إلى بلدة تل رفعت برفقة سلاحهم الحديث». وأفاد «المرصد» أن السلطات التركية «سمحت لهم بالمرور وأشرفت على عملية انتقالهم من ريف إدلب إلى ريف حلب الشمالي عبر أراضيها». وكانت وكالة أنباء «الأناضول» التركية أفادت أن مواقع ل «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي» في جوار مدينة أعزاز السورية في محافظة حلب قصفت بقذائف الهاون من الجانب التركي للحدود. ولم تدل الوكالة بتفاصيل إضافية عن القصف لكن وسائل إعلام تركية نقلت عن مصادر عسكرية أنه بدأ في الساعة 7 ت غ. وأضافت المصادر ذاتها أن القوات التركية ستواصل استهداف مواقع «حزب الاتحاد الديموقراطي» ما دام يقصف مواقع الجيش التركي. وأشارت وسائل الإعلام التركية إلى أن دوي القصف كان مسموعاً بوضوح عند المعبر الحدودي المجاور لمدينة كيليس التركية. وأعلنت شبكة «أن تي في» أن القوات التركية أسرت ثلاثة عناصر يشتبه بأنهم ينتمون إلى «الاتحاد الديموقراطي» في كيليس من دون مزيد من التفاصيل. وتعتبر تركيا «الاتحاد الديموقراطي الكردي» وجناحه المسلح «منظمتين إرهابيتين» على صلة وثيقة بالمتمردين الأكراد الأتراك في «حزب العمال الكردستاني». لكن واشنطن التي طالبت أنقرة مساء السبت بوقف عمليات القصف، تعتمد أكثر فأكثر على المقاتلين الأكراد السوريين لمواجهة «داعش». في المقابل، يثير تقدم القوات الكردية غرباً بمحاذاة الحدود السورية وتحديداً نحو مدينة أعزاز قلق أنقرة. وقال نائب رئيس الوزراء التركي يلتشين أكدوغان أن تقدم المقاتلين الأكراد التابعين ل «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي إلى الغرب من نهر الفرات في سورية يشكل «خطاً أحمر» بالنسبة لأنقرة. وأضاف للقناة السابعة: «إنها مسائل تتعلق بالأمن القومي التركي. إن تركيا ليست أمة تنظر إلى ما يجري مكتوفة اليدين». وقد هدد رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو السبت بشن عملية عسكرية ضد «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي». في دمشق، نقل الإعلام الرسمي عن بيان لوزارة الخارجية أن «الحكومة السورية تدين بشدة الجرائم والاعتداءات التركية المتكررة على الشعب السوري وعلى حرمة أرض سورية وسلامتها الإقليمية، وتطالب مجلس الأمن بضرورة اضطلاعه بمسؤوليته في حفظ السلام والأمن الدوليين ووضع حد لجرائم النظام التركي». وجاء في البيان، بحسب وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، أن وزارة الخارجية أبلغت الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في رسالتين أنه «بتاريخ يوم السبت 13 شباط (فبراير) 2016 وبدءاً من ساعات ما بعد الظهر قامت المدفعية الثقيلة التركية المتمركزة داخل الأراضي التركية بقصف الأراضي السورية مستهدفة أماكن وجود مواطنين أكراداً سوريين ومواقع للجيش العربي السوري». والسبت أيضاً، «توغلت 12 سيارة بيك أب مزودة برشاشات من نوع دوشكا ومن عيار 14,5 ملم داخل الأراضي السورية قادمة من الأراضي التركية عبر معبر باب السلامة الحدودي (شمال حلب) يصحبها نحو 100 مسلح يعتقد بأن جزءاً منهم من القوات التركية والمرتزقة الأتراك»، وفق بيان الخارجية. وأوضحت أن «عمليات الإمداد بالذخائر والأسلحة لا تزال مستمرة عبر معبر باب السلامة الحدودي إلى داخل منطقة أعزاز السورية». وأكدت الخارجية أنها «تحتفظ بحقها المشروع بالرد على الجرائم والانتهاكات والاعتداءات التركية المتكررة وحقها في طلب التعويض عن كل الأضرار الناجمة عنها». ومساء السبت، وبعد ساعات من إعلان أنقرة استعدادها للتحرك عسكرياً ضد المقاتلين الأكراد الذين يحققون تقدماً في ريف حلب الشمالي، بدأت المدفعية التركية قصف مواقعهم في المنطقة. وكان القصف التركي تجدد وخصوصاً في منطقة مطار منغ العسكري. وأكد داود أوغلو السبت أن الضربات تأتي «عملاً بقواعد الاشتباك، قمنا بالرد على القوات الموجودة في أعزاز ومحيطها والتي تشكل تهديداً». ونجحت «وحدات حماية الشعب» المنضوية في تحالف «قوات سورية الديموقراطية» في السيطرة على قرى وبلدات عدة خلال الأيام الماضية في ريف حلب الشمالي، وسيطرت أيضاً على مطار منغ الاستراتيجي. ورفض رئيس «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي» صالح مسلم مطلب تركيا بانسحاب مقاتلين أكراد تابعين للحزب من مواقع قرب الحدود تتعرض لقصف من الجيش التركي. وحذر من أن السوريين سيتصدون لأي تدخل تركي في البلاد. وقال مسلم إنه ليس من حق تركيا التدخل في الشؤون الداخلية لسورية. وأضاف أن القاعدة الجوية التي قصفها الجيش التركي السبت كانت تقع تحت سيطرة «جبهة النصرة» حتى تمكنت «وحدات حماية الشعب» من انتزاعها الأسبوع الماضي. وكان داود أوغلو طالب السبت «وحدات حماية الشعب» بالانسحاب من مناطق تسيطر عليها شمال حلب. وأكد مسلم رفضه للطلب التركي. وأضاف عبر الهاتف: «هل يريد أن تبقى جبهة النصرة هناك أو أن تأتي قوات النظام... تحتلها». وأضاف أنه إذا تدخلت تركيا في سورية ستجد «كل الشعب السوري في مواجهتهم». إلى ذلك، قال نائب رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية العميد مسعود جزائري لقناة «العالم» الإيرانية: «نحن لن نسمح أبداً بأن تسير الأمور في سورية كما تريده «الدول الشريرة» التي تريد تنفيذ سياساتها، وسنتخذ الإجراءات اللازمة في حينها». وتدعم إيران نظام الرئيس بشار الأسد مالياً وعسكرياً، من خلال إرسال «مستشارين عسكريين» ومتطوعين يقاتلون إلى جانب الجيش السوري. وقال جزائري: «من أين يتردد هؤلاء الإرهابيون على سورية، سوى من تركيا؟ من أين يتم دعمهم سوى من الدول الرجعية العربية»؟ حجاب ينتقد بيان ميونيخ... وماكين يرى فيه تفويضاً ل«عدوان روسيا» انتقد رياض حجاب المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لفصائل المعارضة السورية الاتفاق بين القوى الكبرى الذي ينص على وقف الأعمال العدائية في سورية لأنه يسمح باستمرار «عدوان روسيا»، في وقت قال السيناتور الأميركي جون ماكين إن الاتفاق يعطي فرصة لروسيا لقصف حلب شمال سورية أسبوعاً آخر. وكان الكرملين أعلن أن الرئيس الأميركي باراك أوباما اتصل هاتفياً السبت بنظيره الروسي فلاديمير بوتين ليبحث معه الوضع في سورية. وأجرى الرئيسان «تقييماً إيجابياً» لاتفاق وقف الأعمال الحربية في سورية الذي تقرر أثناء مؤتمر ميونيخ، وفق بيان للكرملين وصف المحادثة ب «الصريحة». وأوضح بيان الكرملين أن بوتين وأوباما «اتفقا على تفعيل التعاون من خلال القنوات الديبلوماسية وهيئات أخرى بهدف تطبيق اتفاق» ميونيخ. وفي مقابلة مع «يورونيوز»، أكد رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف، أن الرئيس السوري بشار الأسد هو «القوة الشرعية الوحيدة» في البلاد، وأن رحيله سيتسبب ب «الفوضى». وقال: «يمكن أن تكونوا موافقين أم لا فإنه الرئيس» بحسب تعابيره التي ترجمت إلى الإنكليزية. وأضاف: «وإذا تم إخراجه فستعم الفوضى، كما رأينا ذلك أكثر من مرة في بلدان عدة في الشرق الأوسط». وقال حجاب أثناء مؤتمر الأمن المنعقد في ميونيخ: «قبل يومين أو ثلاثة أيام رأينا (وزير خارجية روسيا سيرغي) لافروف و(وزير الخارجية الأميركي جون) كيري يخرجان لإعلان أن روسيا لن توقف الأعمال العسكرية في سورية (...) هل هو حقاً موقف مقبول بالنسبة للمجتمع الدولي؟». وقال حجاب: «تعودنا على المؤتمرات والعبارات التي تبعث على الأمل. لكننا بحاجة للفعل، والفعل الوحيد الذي أراه هو أن روسيا تقتل مدنيين»، رافضاً الإفصاح عما إذا كان يؤيد التزام مقاتلي المعارضة بالاتفاق. ونص الاتفاق الذي أعلنه لافروف وكيري الخميس في اختتام مؤتمر «المجموعة الدولية لدعم سورية» على وقف الأعمال العدائية بين مقاتلي المعارضة والقوات النظامية واستئناف المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين. لكن عمليات القصف التي تقوم بها روسيا والتحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة ضد الجماعات التي تعتبر إرهابية على غرار «داعش» يمكن أن تتواصل. وتتهم روسيا التي تدعم جواً الجيش النظامي السوري وخصوصاً في تقدمه نحو حلب، باعتبار كل الفصائل المعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد «إرهابية» وبأنها تستهدف خصوصاً المقاتلين الذين يعتبرهم الغرب معتدلين. واعتبر حجاب «أن من يحمي داعش اليوم هو روسيا»، مشيراً إلى أن النظام هو الذي سمح بظهور «داعش». من جهته، قال حليف بارز للمستشارة الألمانية أنغيلا مركل الأحد إن روسيا أصبحت لها اليد العليا في سورية وما حولها عن طريق استخدام القوة المسلحة وأبدى شكوكه في أن تحترم موسكو خطة لتنفيذ هدنة في البلد الذي تمزقه الحرب. وقال نوربرت رويتغين عضو الحزب المحافظ الذي تنتمي له مركل: «أعتقد أن روسيا أصبحت لها اليد العليا في المنطقة وهذا أمر جديد وفقاً للقياسات التاريخية. وتمكنت من ذلك باستخدام القوة المسلحة». وأضاف متحدثاً في مؤتمر أمني في ميونيخ أنه يتشكك في تصرفات روسيا في الأيام والأسابيع المقبلة على رغم موافقتها على «وقف للعمليات القتالية» من المقرر أن يبدأ خلال أسبوع. وقال رويتغين: «روسيا عازمة على خلق الحقائق على الأرض وعندما ينجحوا في ذلك سيدعون الغرب لقتال العدو المشترك وهو تنظيم داعش». وقال إنه يعتقد أن هذا الأسلوب ينحي روسيا جانباً باعتبارها شريكاً غير مؤهل لقتال «داعش». وقال مكين الذي يشارك في المؤتمر إنه لا يعتبر الاتفاق الذي أبرم في ميونيخ في وقت مبكر من صباح الجمعة بعد محادثات استمرت تسع ساعات انفراجة. وأضاف: «لنكن واضحين في شأن ما يفعله هذا الاتفاق. إنه يسمح باستمرار الهجوم الروسي على حلب لمدة أسبوع آخر». وتابع مكين: «ليس صدفة أن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين وافق على وقف للعمليات القتالية. رأينا هذا الفيلم من قبل في أوكرانيا: روسيا تمضي قدماً في عملها العسكري وتخلق حقائق جديدة على الأرض وتستخدم الإنكار وتقديم المساعدات الإنسانية كأوراق تفاوض ثم تتفاوض على اتفاق يضمن لها غنائم الحرب». من جهتها، أبدت إسرائيل شكوكاً في نجاح تنفيذ الاتفاق الدولي لوقف الأعمال القتالية في سورية. وأشار مسؤول كبير إلى أن التقسيم الطائفي للبلاد ربما يكون أفضل خيار. وتنتهج إسرائيل موقفاً رسمياً محايداً من الحرب في سورية منذ خمس سنوات. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعالون الموجود في ميونيخ للاجتماع مع نظرائه الأوروبيين والملك عبد الله عاهل الأردن في بيان: «الوضع في سورية معقد للغاية ويصعب رؤية كيف يمكن أن تتوقف الحرب والقتل الجماعي هناك». وأضاف: «سورية التي نعرفها لن تكون موحدة في المستقبل القريب وفي نفس الوقت أعتقد أننا سنرى جيوباً سواء كانت منظمة أو لا تشكلها مختلف القطاعات التي تعيش وتقاتل هناك». ووصف رام بن باراك مدير عام وزارة المخابرات الإسرائيلية التقسيم بأنه «الحل الممكن الوحيد». وتابع: «أعتقد أنه في نهاية الأمر يجب أن تتحول سورية إلى أقاليم تحت سيطرة أي من يكون هناك - العلويون في المناطق التي يتواجدون فيها والسنة في الأماكن التي يتواجدون فيها». وتابع: «لا أرى إمكانية أن يعود العلويون الذين يمثلون نسبة 12 في المئة لحكم السنة بعد أن قتلوا نصف مليون شخص هناك. هذا جنون». وقال بن باراك إن القوات الحكومية السورية وحلفاءها تمكنوا بدعم من روسيا من حصار حلب التي يسيطر عليها المعارضون. وسيعطي ذلك الأسد سيطرة فعلية على غرب سورية، لكن جزءاً كبيراً من شرق البلاد يسيطر عليه عناصر «داعش». وتابع أن انتصار الأسد في حلب «لن يحل المشكلة لأن المعارك ستستمر. فتنظيم داعش هناك والمعارضة لن تلقي سلاحها». وتشترك إسرائيل مع غيرها في القلق من تقدم «داعش»، لكنها يساورها القلق كذلك من أن يكون الخطر المشترك من المتشددين قد خلق محوراً فعلياً بين القوى العالمية وإيران التي تشارك كذلك بقوات لدعم الأسد. وقال يعالون: «طالما استمر الوجود الإيراني في سورية لن تعود البلاد لما كانت عليه وستجد بالتأكيد صعوبة في تحقيق الاستقرار كدولة مقسمة إلى جيوب لأن القوات السنية هناك لن تسمح بذلك».