انعكس ارتفاع الأسعار في أسواق دمشق سلباً على الحياة المعيشية لشريحة كبيرة من المواطنين وحالتهم الصحية، لعدم تمكنهم من تأمين الغذاء. ووصل الأمر إلى إصابة عدد منهم بمرض «سوء التغذية» نتيجة «الرجيم (الحمية الغذائية) القسري» الذي يفرض عليهم، مقابل تحسن حال آخرين يتقاضون دخلاً بالقطع الأجنبي. لم يطرأ تحسن ملحوظ على مرتبات الموظفين، وبقيت تقريباً على حالها التي كانت عليها قبل الحرب، حيث لا يتجاوز الراتب الشهري لموظف الدرجة الأولى 35 الف ليرة أي ما يعادل 86 دولاراً اميركياً. واستمر انخفاض سعر صرف الليرة السورية، وبلغ أمس 432 ليرة للدولار الأميركي بعدما كان 370 ليرة قبل ايام و46 ليرة في العام 2011. ويتواصل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وخصوصاً منها الخضار والفاكهة. ووصل سعر الكيلو الواحد من الكوسا إلى 800 ليرة والباذنجان إلى 400 والبندورة إلى 350 ليرة والثوم إلى 1000 ليرة والليمون 250 ليرة والتفاح 250 ليرة والبرتقال 100 ليرة، رغم أن كافة تلك المواد هي إنتاج محلي. وأفاد «المركز السوري لبحوث السياسات»، وهو غير حكومي تستند إلى أبحاثه الأممالمتحدة، في تقرير صدر في أيار (مايو) 2014، بأن ثلاثة أرباع السوريين أصبحوا من الفقراء، وأن أكثر من نصف السكان يعيشون في فقر شديد في شكل كامل. ويقدر البنك الدولي خط الفقر العالمي ب 1.9 دولار اميركي للشخص في اليوم الواحد، ما يعني أن أي أسرة سورية تضم شخصين ومرتب معيلها يبلغ 86 دولاراً تعيش تحت خط الفقر. ودفع الارتفاع الكبير للأسعار العديد من الأسر إلى الاستغناء عن العديد من المواد الأساسية التي تلعب دوراً مهماً في التنشئة البدنية للأطفال. وقالت سيدة في دمشق: «كيلو الحليب ب 175 ليرة تم إبعاده من المائدة كما هي الحال مع الجبنة التي يبلغ سعر الكيلو 800 ليرة والبيض الذي يبلغ سعر العلبة الف ليرة». وأضافت: «عندما تنظر إلى وجه أطفالنا، لا تجد اللون الأحمر. الأصفر هو اللون الغالب على وجوه أفراد العائلة... الأطفال أوزانهم تتناقص بشكل مستمر... لم يعودوا يقوون على الحركة... عندما نعرضهم على الطبيب يقول سوء تغذية». وقال «ابو يزن»، وهو عامل في دكان في العاصمة السورية وأب لخمسة أطفال، أن أجره الشهر بالكاد يكفي لدفع بدل إيجار المنزل والعيش على حد الكفاف. وزاد: «راتبي الشهري 30 الف ليرة كان يعادل قبل الأزمة 600 دولار. حالياً يساوي أقل من مئة دولار». وزاد أنه لم يشبع من اي وجبة منذ سنتين. وتعاني الأسواق الدمشقية في شكل عام من ضعف الرقابة التموينية واستشراء الفساد. ويعزو التجار وأصحاب المحال ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضار إلى ارتفاع سعر الدولار وتراجع الليرة منذ اندلاع الثورة منتصف آذار (مارس) 2011. ولعل ابرز ما يلاحظ في أسواق دمشق هو عشوائية التسعير في محال بيع المواد الغذائية والأكلات الشعبية التي أصبحت من الرفاهيات، لتضاعف سعرها نحو عشرة اضعاف. ويصل سعر سندويشة الشاورما إلى 350 ليرة، في حين كان سعرها قبل الحرب ما بين 25 - 35 ليرة، بينما وصل سعر سندويشة الفلافل إلى أكثر من 200 ليرة، بعد أن كان سعرها ما بين 20 - 25 ليرة. وقال طالب جامعي: «حتى سندويش الفلافل بات من الرفاهيات... معقول عائلة من خمسة اشخاص تدفع الف ليرة ثمن سندويش فلافل». وانعكس تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الصعبة ايجاباً على الموظفين المحليين العاملين لدى بعثات المنظمات الدولية في سورية، والصحافيين المراسلين المعتمدين في سورية لوسائل إعلام اجنبية، باعتبار أن هؤلاء يتقاضون مرتباتهم بالدولار الاميركي. ويتقاضى موظفون محليون لدى بعثات المنظمات الدولية في سورية بين 1000 إلى 2000 دولار أميركي شهرياً، بينما تفوق مرتبات مديري مكاتب وسائل الإعلام الاجنبية المعتمدة في سورية ال4 آلاف دولار، فيما يصل مرتب المراسل في تلك المكاتب إلى اكثر من 2000 دولار. ويتحاشى هؤلاء في أحاديثهم مع أقربائهم وأصدقائهم الإفصاح عن حجم مداخليهم الشهرية، خوفاً من عمليات الخطف مقابل الفدية التي انتشرت في البلاد منذ اندلاع الثورة. ويقول أحدهم: «مصائب قوم عند قوم فوائد... هؤلاء لم يتأثرو بموجة الغلاء غير المسبوقة التي اكثر ما طالت المواد الغذائية والخضار والفاكهة... لا بل في العديد من مناحي الحياة انعكست ايجاباً عليهم، فبدل ايجار الشقة السكنية في حي المزة الراقي قبل الأحداث كان نحو 50 الف ليرة... والأن ليس اكثر من 150 الف ليرة، بمعنى ان بدل الإيجار لم يتضاعف عشر مرات. اي قبل الأحداث كان هؤلاء يدفعون 1000 دولار بدل الايجار، أما الآن فيدفعون نحو 350 دولاراً». وأشار قريب من عاملين محليين في منظمات دولية ووسائل إعلام اجنبية إلى ان «معظم هؤلاء الاشخاص يقضون معظم أوقاتهم بعد انتهاء دوامهم في الملاهي والمطاعم الراقية، وفوق ذلك يتباهون عبر صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي ولا يحترمون مشاعر الآخرين»، لكنه يلفت إلى أن «عدداً من هؤلاء وهم قلة يقومون بجهد كبير في مساعدة متضررين من الحرب، سواء من خلال تقديم المساعدات العينية أو المالية».