عزّزت بيانات الوظائف الصادرة عن وزارة العمل الأميركية الاضطراب الذي يسيطر على الخبراء والاقتصاديين والمستثمرين الأميركيين، إذ يستمر الاقتصاد الأميركي في إيجاد وظائف بنسب مرتفعة، في وقت يسجّل الناتج نسب نمو متواضعة. وتسبّبت البيانات باضطراب في أسواق المال وارتفاع في سعر الدولار، فبعد تقارير النمو المنخفض، استبعد المستثمرون رفع مجلس الاحتياط الفيديرالي الفائدة الشهر المقبل، وترافق ذلك مع تصريحات لمسؤولي المجلس عززت الانطباع الذي كان سائداً، إلا أن انخفاض نسبة البطالة دفع بعض المستثمرين إلى الاعتقاد أن المجلس سيرفع الفائدة، فارتفع الإقبال على الدولار وزاد سعر صرفه مقابل العملات الأخرى، فيما انخفضت أسعار بعض الأسهم. وكان مؤشر معدل البطالة في الولاياتالمتحدة انخفض إلى ما دون الخمسة في المئة، للمرة الأولى منذ العام 2007، بعدما أظهرت بيانات وزارة العمل الشهر الماضي أن الاقتصاد خلق 151 ألف وظيفة، ما دفع معدل البطالة إلى 4.9 في المئة، وهي نسبة قريبة من المعدل الذي يعتبره اقتصاديون يمثل «عمالة كاملة» ويبلغ 4.4 في المئة، والذي كان الاقتصاد الأميركي سجّله عامي 2006 و2007، قبل فترة قصيرة من اندلاع «الركود الكبير» خريف 2008. ويبدو أن استمرار نمو سوق العمل الأميركية لا يعكس نمو الناتج المحلي، الذي أظهرت أولى القراءات الثلاث للفصل الماضي أنه بلغ 0.7 في المئة، وهي نسبة فاجأت المراقبين الذي كانوا توقعوا 2.5 في المئة على الأقل. ويعتقد مراقبون أن تباطؤ الاقتصاد الأميركي، الذي يتأثر بتباطؤ الاقتصاد العالمي عموماً، بدأ ينعكس سلباً على سوق الوظائف، إذ أظهرت بيانات الشهر الماضي تراجع عدد الوظائف الجديدة إلى 151 ألفاً، بعدما بلغ معدل الوظائف الجديدة 280 ألفاً خلال الربع الرابع العام الماضي. ولفتوا إلى أن التباطؤ الاقتصادي قد يتطلب وقتاً قبل أن ينعكس على سوق الوظائف. ولكن عدداً من المراقبين عزا انخفاض عدد الوظائف الجديدة الشهر الماضي مقارنة بالأشهر الثلاث السابقة، إلى اقتراب نسبة «العمالة الكاملة»، فمع تقلص عدد الأميركيين ممن يبحثون عن وظائف، يصبح من الطبيعي تراجع عدد الوظائف الجديدة. واعتبر اقتصاديون أن «أخباراً إيجابية» أخرى في بيانات الوظائف تتمثل في استمرار ارتفاع «نسبة المشاركة» بين الأميركيين في سوق العمل، إذ زادت 0.1 في المئة الشهر الماضي إلى 62.7 في المئة، بعدما بلغت أدنى مستوياتها في 30 عاماً في أيلول (سبتمبر) الماضي ووصلت إلى 62.4 في المئة. وشهدت الفئة العمرية بين 25 و54 عاماً، وهي الفئة الأكبر لليد العاملة الأميركية، ارتفاعاً في «نسبة المشاركة» بلغت 0.5 في المئة، وهذا تطور ايجابي، وفق رأي غالبية الخبراء. وعزا باحثون تراجع «نسبة المشاركة» في سوق العمل الأميركية عموماً، إلى ارتفاع معدل أعمار الأميركيين، ما تؤدي إلى زيادة عدد المتقاعدين، في حين تشير الأرقام إلى أن في حال إضافة من هم «في سن العمل ممن لا يبحثون عن عمل» إلى أعداد العاطلين من العمل، لارتفعت نسبة البطالة إلى نحو 7.4 في المئة. وفي وقت أظهرت فيه بيانات النمو الناتج المحلي للربع الرابع أن التحدي الأبرز أمام النمو زيادة في البضائع المخزنة أجبرت التجار على الإحجام عن الطلب على مدى الربع الرابع، خصوصاً السلع الثقيلة مثل البرادات والغسالات والتلفزيونات. وأظهرت بيانات وزارة العمل أن عدد الوظائف الأميركية تراجع الشهر الماضي في قطاعات البناء والخدمات ومناجم الفحم. وأظهرت بيانات العمل ارتفاعاً في الأجور بنسبة 2.5 في المئة، أي بنسبة أعلى من التضخم الذي يستمر عند مستويات أدنى من اثنين في المئة، وهذه «أخبار جيدة» وفق الاقتصاديين، بالنسبة الى العاملين الأميركيين وعائلاتهم.