أعاد تقرير الوظائف الأميركية إلى الأذهان صورة الاقتصاد الأميركي القوي، كما بدا نهاية الألفية الثانية، بعد إعلان وزارة العمل أن الاقتصاد الأميركي أوجد 292 ألف وظيفة، فيما بقي معدل البطالة عند خمسة في المئة. وأظهر التقرير أن الاقتصاد الأميركي أضاف 14.1 مليون وظيفة خلال الأشهر ال70 الماضية، وهذه أطول نسبة ارتفاع في عدد الوظائف في التاريخ الأميركي. وكانت وزارة العمل أعادت النظر في تقارير الوظائف الماضية، فاعتبرت أن الاقتصاد أضاف 51 ألف وظيفة في تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) الماضيين، ما دفع نسبة مشاركة اليد العاملة إلى الارتفاع إلى 2.62 في المئة. وأشارت تقارير إلى أن عدد الوظائف الأميركية عامي 2014 و2015 ارتفع 5.6 مليون وظيفة، ما يجعلهما أفضل عامين لجهة زيادة عدد الوظائف منذ البحبوحة التي عاشتها البلاد بين عامي 1998 و2000. ومع صدور التقرير الأخير، أصبح عام 2015 ثاني أفضل عام لجهة الزيادة في معدل الوظائف شهرياً، إذ بلغ 221 ألفاً، فيما بلغ معدل عام 2014 نحو 260 ألف وظيفة شهرياً، وعام 2013 نحو 199 ألفاً، وعام 2012 نحو 188 ألفاً. وفي ذروة الأزمة الاقتصادية عام 2009، خسر الاقتصاد الأميركي 424 ألف وظيفة شهرياً على مدى العام. وتظهر الدراسات الأميركية أن البلاد تحتاج اليوم إلى 77 ألف وظيفة شهرياً لمواكبة الزيادة في عدد سكانها، وهو رقم تراجع عن الماضي بسبب الشيخوخة التي تصيب التركيبة السكانية. ويعزو المسؤولون التراجع الطفيف في زيادة عدد الوظائف عام 2015 مقارنة بالعام السابق، إلى التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد العالمي، خصوصاً في الصين. وأدى تباطؤ الاقتصاد الصيني إلى تراجع في الطلب على الطاقة عالمياً، فتراجعت أسعارها، ما أدى إلى خسارة قطاع الطاقة الأميركي ثمانية آلاف وظيفة الشهر الماضي، في وقت أظهر تقرير وزارة العمل أن أكبر محرك لزيادة الوظائف الأميركية يرتبط بالاقتصاد داخلياً، وهو قطاع البناء الذي أضاف 45 ألف وظيفة، يليه قطاع النقل والتخزين ب23 ألف وظيفة، فقطاع المعلوماتية ب16 ألف وظيفة. وعلى رغم تعثر أكبر الاقتصادات العالمية، وانخفاض حجم الصادرات الأميركية، حافظ قطاع الصناعة الأميركية على حيويته في الحد الأدنى بإضافته ثمانية آلاف وظيفة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وفي وجه الانتقادات التي تعرضت لها إدارة الرئيس باراك أوباما، لجهة أن الزيادة في عدد الوظائف لم تنعكس ارتفاعاً في مدخول الأميركيين، أظهرت بيانات وزارة العمل أن معدل مدخول الأميركيين عام 2015 ارتفع 2.5 في المئة، وهي نسبة أعلى من نسبة التضخم التي لم تصل إلى اثنين في المئة، ما يعني أن الأميركيين أضافوا زيادة قيمية إلى مداخيلهم، وفق الخبراء. وفور شيوع الأنباء عن الأداء الجيد لسوق العمل الأميركية، سارع الخبراء إلى تعديل توقعاتهم لنمو الناتج المحلي في الفصل الرابع العام الماضي. وكانت غالبية الخبراء أبدت تشاؤماً بسبب التباطؤ العالمي، وخفضت توقعات النمو للفصل الرابع من ثلاثة إلى 2.5 في المئة، ثم إلى اثنين في المئة في وقت لاحق. لكن الزيادة في الوظائف تعكس حُكماً تحسناً في النشاط الاقتصادي، ما حدا ببعض الاقتصاديين إلى العودة إلى التفاؤل، فلم يستبعد بعضهم أن يلامس النمو خلال الربع الماضي 3 في المئة. أما السؤال التالي الذي انبرى الخبراء للإجابة عنه، فهو إلى متى يستمر الأداء الأميركي الاقتصادي الجيد وسط التعثر العالمي؟ وهو سؤال تقلق الإجابة عنه كثيرين، إذ ينقسم الاقتصاديون بين قائل أن الفارق بين أميركا والعالم «سيئ للاثنين»، فيما يعتقد آخرون أنه يمكن الولاياتالمتحدة أن تقود العالم بأكمله وتخرجه من المرحلة الاقتصادية الحرجة التي يمرّ بها. وانعكست بيانات الوظائف الأميركية إيجاباً على المزاج العام، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات التمهيدية للرئاسة والمقرّر أن تبدأ مطلع الشهر المقبل، في وقت بات المحللون يعتقدون أن أوباما سيخرج من الحكم وسط أداء قوي للاقتصاد الأميركي، ما سينعكس إيجاباً على صورته في التاريخ وعلى فرص حزبه في الحفاظ على الرئاسة لولاية ثالثة، وهو أمر نادر في تاريخ الانتخابات الأميركية، لكن الاقتصاد يصنع السياسة، أو هكذا على الأقل يعتقد عدد من المتابعين للحقلين: السياسة والاقتصاد والعلاقة بينهما.