أكد مجلس القضاء الأعلى رفضه ان «يشكل القضاء مطيّة يتم التوسل بها لتحقيق اي غرض خارج عن مهامه الأصلية»، وأسفه ل «كل تعرض ينال الجسم القضائي اللبناني ويرفضه». وأبدى المجلس بعد اجتماعه الاستثنائي امس ارتياحه لقرار إطلاق سراح الضباط الأربعة الصادر عن قاضي الإجراءات التمهيدية لدى المحكمة الخاصة بلبنان، متمنياً ان «تتابع العدالة الدولية مسارها السوي وصولاً الى الحلقة الأخيرة من حلقات إحقاق الحق». وعقد المجلس اجتماعه امس بدعوة من رئيسه، الرئيس الأول لمحكمة التمييز القاضي غالب غانم، في قصر عدل بيروت. ورافق الجلسة إجراءات امنية مشددة للجيش ولقوى الأمن الداخلي وفرق مكافحة الشغب التي ضربت طوقاً امنياً حول قصر العدل، وجرى تفتيش الداخلين إليه. وغاب عن الجلسة المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا بداعي السفر. وبعد التداول في الشأن القضائي ولا سيما بعد مواكبة ما تعلق بالقضاء من مواقف تلت صدور قرار إطلاق سراح الضباط الأربعة، أصدر المجلس بياناً شدد فيه على انه «يمثل سلطة مستقلة من سلطات الدولة الثلاث، ويؤكد عزمه على الدفاع بلا كلل عن هذا الاستقلال وما يتلازم معه من دور فاعل للقضاء، ومن حياد وكرامة ومناعة. وهو، لأجل ذلك، مصمم التصميم كله على تحصين القضاء في وجه كل هوى خاص لن يكون له إلا ارتداد سلبي على كيان الدولة وعلى عمل القضاء وثقة المجتمع بمسار العدالة». وأكد انه «لن يقبل ان يشكل القضاء مطية يتم التوسل بها لتحقيق اي غرض خارج عن مهامه الأصلية، ويأسف لكل تعرّض ينال الجسم القضائي اللبناني، ويرفضه، خصوصاً ان القضاة يبذلون كل مبذل لإطلاق ورشة عمل متجددة فاعلة ومسؤولة تجلّت بصورة واضحة إثر صدور التشكيلات القضائية الأخيرة». ورأى أن «العواصف التي هبت على الوطن في العقود المنصرمة وزعزعت بعض مؤسساته لم تنل من صلابة القضاء ووحدته واستمراره في ممارسة مسؤولياته من دون تردد او وجل. وهو في السياق ذاته، يدعو اهل السياسة الى ترك القضاء يدير شؤونه بنفسه حراً من اي قيد أو ضغط، ويدعو اهل القضاء الى تعطيل كل تدخل في شؤونهم من اية جهة أتى، والى التصرف على اساس ان القضاء سلطة قضائية لا قضاء سلطة». وأبدى المجلس «ارتياحه لقرار إطلاق سراح السادة الضباط الأربعة، الصادر عن قاضي الإجراءات التمهيدية لدى المحكمة الخاصة بلبنان، ويتمنى ان تتابع العدالة الدولية مسارها السوي وصولاً الى الحلقة الأخيرة من حلقات إحقاق الحق». ولفت المجلس النظر الى «واقعة مآلها ان ثمة اختلافاً بين القواعد القانونية المطبّقة في لبنان وتلك المحددة في الأصول الإجرائية العائدة الى المحكمة الخاصة بلبنان، مما قد يكون من شأنه التأثير على المعايير المعتمدة وعلى القرارات المتخذة في هذا المضمار». وأضاف المجلس في بيانه انه «في موازاة ذلك، وعلى كل حال، وبعيداً من تأييد وجهة نظر دون أخرى، يؤكد المجلس استعداده لتحمل المسؤولية في مواجهة اي خلل في الممارسات القضائية، ولإعمال قواعد المحاسبة التي يمكن ان تطال اي قاض مخل بمناسبة النظر في اية قضية من القضايا، ولمتابعة الأمور المطروحة حتى نهايتها بوجه اي قاض معني، وذلك في إطار أحكام الدستور ومبادئ حقوق الإنسان والقوانين المرعية والمؤسسات القضائية القائمة». وأكد المجلس انه «آن الأوان لاستكمال تكوين هيئة التفتيش القضائي بدءاً بتعيين رئيس لها، ويطلب بإلحاح الى السلطات المعنية المبادرة الى سد هذه الثغرة من دون اي تأخير نظراً للمهام الجسام الملقاة على عاتق هيئة التفتيش، ولما في ذلك من تفعيل لقواعد المراقبة والمحاسبة، ولتعزيز مبدأ حسن سير العدالة». ورحب المجلس «بأي طرح جدي وإيجابي وعلمي يهدف الى اعادة النظر في بعض اسس النظام القضائي وذلك في سبيل تحصين السلطة القضائية وبهدف مواكبة التوجهات الإصلاحية التي أثبتت جدواها ونجاحها في بعض الدول الديموقراطية المتقدمة. وهو ينوي، لأجل ذلك، تحريك المشاريع المعدة والتقدم بالاقتراحات المناسبة الى السلطات المختصة تلبية لهذا المطلب». وتوجه المجلس الى «القضاة طالباً إليهم تلقي ما يثار حول القضاء ودوره بحكمة القاضي وبما تنشّا عليه من قيم وبما لديه من مناقبية ووعي وحس بالتوازن وحرص على شيوع العدالة والسلام الاجتماعي، وبروح المسؤولية العليا التي تدعوه الى الاستمرار في ممارسة النقد الذاتي، من دون ان ينال ذلك، في اي حال، من مسلمات الكرامة والمهابة والحصانة». وخاطب الإعلام بالقول إن «النظرة الى القضاء ينبغي ان تكون بعيدة من اي تصور يعتبره منغمساً في السياسة وشعابها، لأنه بالفعل تصور في غير محله. وهو يؤكد انه لا لون للقضاء إلا اللون القضائي الذي يأبى كل اصطفاف أو سجال يعزز موقعاً على موقع آخر». وتابع مناشداً «الإعلام اللبناني الراقي دعم جهوده في سبيل استقلال القضاء المطلق ولبلورة صورته الحقيقية العاكسة آمال الشعب الذي يحكم باسمه، كما يناشده الامتناع عن اطلاق أو تبني اي خبر متعلق بالقضاء من دون ان يكون مسنداً الإسناد الصحيح، وعن نسب أي تصريح أو موقف الى الإدارة القضائية من دون التحقق من صدقهما ومن مصدرهما». ولفت المجلس الى انه سيعقد اجتماعات استثنائية لاحقة لمتابعة البحث في الشؤون المطروحة». مواقف وكان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة كرر حرصه على «استقلالية القضاء وعدم التدخل فيه وتسييسه» وذلك خلال دردشة مع الاعلاميين قبل ساعات من اجتماع مجلس القضاء. ورأى الرئيس السابق اميل لحود ان «الافراج لم يقتصر على الضباط الاربعة فقط بل شمل ايضاً خطاً سياسياً انتهجه هو، وهو خط الحفاظ على الكرامة الوطنية وقوة لبنان وجيشه ومقاومته البطلة وصلابة علاقته مع سورية». ورأى «منبر الوحدة الوطنية» برئاسة الرئيس سليم الحص ان «ليس من حقنا ان نتناول القضاء بكلمة سوء». وسأل: «هل وفقنا حقاً الى جعل القضاء سلطة مستقلة تماماً عن السلطة الاجرائية؟ الجواب لا». واعتبر عضو كتلة «التحرير والتنمية» النيابية (التي يترأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري) ميشال موسى أن القضاء «إحدى ركائز الدولة ويجب الوثوق به». وقال عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية حسين الحاج حسن: «لن نحكم مسبقاً على قرارات المحكمة لا سلباً ولا ايجاباً»، مؤكداً أن «أي خطوة متبعة من جانب المحكمة تستوجب أن نقوّم الحقائق بعيداً من الاستخدامات السياسية». واعتبر مسؤول العلاقات العربية في «حزب الله» الشيخ حسن عز الدين، ان اطلاق سراح الضباط «تراجع عن جريمة تم ارتكابها على المستوين السياسي والقضائي»، واكد ان «حزب الله الحريصً والمصر على كشف حقيقة من قتل الرئيس الحريري، وما زال اليوم اكثر اصراراً على ان نعرف ونكشف من يقف وراء اغتياله، لاننا عندما نكتشف من حرض ومن خطط ومن ساعد وسهل لقتله، نصل الى الجهة التي نعتبرها عدوة للبنان».