«الطلاق»... هلاك الرباط المقدس، «المطلقة»... منبوذة مقهورة هدامة بيوت، «أنت طالق»... أنت خارج المكان والزمان لحين ميسرة، هذه صورة الطلاق والمرأة المطلقة في أذهان السواد الأعظم من مواطني العالم العربي. لم تجد هذه الفئة من السيدات، والتي ينظر إليها غالباً بشك مشوب بالشفقة والحذر، منبراً حصرياً للتنفيس عما يجول في خاطرهن وتحدثهن به أنفسهن، إلا عبر الإعلام الجديد وعلى رأسه المدونات وإذاعات الإنترنت. دين ثقيل تدين به هؤلاء النساء لطفرة الإعلام الجديد والثورة التكنولوجية التي لا تتوقف، إذ تستطيع المطلقة الآن التعبير عن آرائها بحرية غير مسبوقة محطمة الصورة النمطية الظالمة عنها، فضلاً عن التفاعل مع أشخاص من قطاعات وفئات متباينة من بلدان عدة قد تتشابه ظروفهم الحياتية أو لا. بعد مدونة «أنا عايزة أتجوز» للمصرية غادة عبدالعال، والتي ناقشت مسألة الزواج محققة ناجحاً وتحولت إلى كتاب حقق مبيعات كبيرة، اهتدت إحدى المطلقات المصريات التي عانت ثلاث سنوات بين أروقة المحاكم المصرية للحصول على الطلاق إلى إطلاق إذاعة خاصة بالمطلقات على شبكة الانترنت هي «مطلقات راديو». تجربة محاسن صابر - صاحبة فكرة إنشاء الإذاعة - المؤلمة مع أبغض الحلال دفعتها في البداية إلى إطلاق مدونة «أنا عايزة أطلق»، وشعارها هو «عندما ينعدم الأمان فى الحياة الزوجية وتصبح الطمأنينة حلماً بعيد المنال... فمرحباً بأبغض الحلال». استقطبت المدونة عدداً كبيراً من النساء والرجال الذين تناقشوا حول مواضيع عدة تخص وضع المرأة في المجتمع الشرقي ومشاكل المطلقات والمطلقين أو من يقدم على هذا القرار. لذا، استثمرت محاسن (30 سنة) نجاح المدونة في تدشين إذاعة «مطلقات راديو» على الانترنت، والتي تهدف إلى «تغيير فكرة المجتمع عن المطلقة وجذب مؤيدين لهذه الشريحة المظلومة. المرأة المطلقة ليست سيئة. الطلاق أمر اضطراري وليس اختيارياً. والإذاعة لا تدعو المرأة إلى التمرد على زوجها وطلب الطلاق ليل نهار، بل تحفز على عيش حياة مستقرة كريمة بعيداً من شبح الطلاق». وإلى جانب خط الإذاعة الأساسي عن المطلقات، تهتم الإذاعة التي تحمل شعار «حياة جديدة بصوت من القلب» بالمشاكل الاجتماعية للجنسين، كتأخر الزواج ومشاكل المراهقة والمشاكل الزوجية. وتخطى عدد مستمعي الإذاعة ال11 ألف مستمع من دول عربية وأوروبية مختلفة. ويعمل في الإذاعة 25 متطوعاً من الجنسين، إذ تتراوح أعمارهم بين العشرين والخمسين، بعضهم خاض تجربة الطلاق من قبل والبعض الآخر جنّبه القدر هذا المصير، إما لعدم الزواج أو لاستقرار حياته الزوجية. وتبث الإذاعة برامج تتميز بتنوع مواضيعها وثراء أفكارها، مستعينة بأطباء نفسيين ومستشارين قانونيين وخبراء اجتماع لمناقشة المشكلات النفسية والقانونية والاقتصادية التي قد تعاني منها المطلقة. ويتطلع القائمون على «مطلقات راديو» إلى بث برامج جديدة تعبر عن وضع المرأة عموماً، والمطلقة خصوصاً في دول عربية أخرى إلى جانب مصر، كالمغرب والإمارات والسودان ولبنان، وذلك عبر تسليط الضوء على أحوال الزواج والطلاق والأحوال الشخصية والعنف ضد المرأة... وغيره. ويعد العاملون في الإذاعة المواد الإذاعية من حوارات وريبورتاجات وغيرها من بيوتهم، بسبب ضعف الإمكانات المادية التي تحول دون استئجار معدات مكلفة أو مقر ثابت، ثم يجرى تحميلها على الموقع الالكتروني الخاص بالسيدة محاسن، والتي تبثها على موقع الإذاعة. ومن أبرز برامج الإذاعة: برنامج «يا مفهومين بالغلط» الذي يناقش وضع المرأة المطلقة وصورتها في المجتمع الشرقي، و «من تحت سريري» الذي يناقش المشكلات العاطفية للمطلقة، وبرنامج «طليقك على ما تعوديه» الذي يوضح كيفية التعامل مع الطليق. وللرجال نصيب أيضاً لعرض مشاكلهم عبر «يوميات مطلق» الذي يسلط الضوء على مسألة الطلاق من وجهة نظر المطلق أو المخلوع، فضلاً عن برامج أخرى مثل: «كلام ستات» و «علمتني الدنيا» و «خمسة قانون» و «حماتي في بيتي». تلك المبادرات الجريئة تشير إلى انفتاح المرأة المصرية، ولو على استحياء، على الإعلام الجديد وأدواته وكيفية استخدامه للتعبير عن قضاياها وللإعلان عن قدراتها الهائلة. يذكر أن تاريخ إذاعات الإنترنت يعود إلى عام 1993 عندما أطلق الخبير التقني والتكنولوجي الأميركي كارل مالاماد برنامج مقابلات عبر الشبكة، يقابل خلاله خبيراً تقنياً كل أسبوع.