إن أعظم مؤشرات الأزمة الإدارية التي تنهش جسم الوطن في الوقت الراهن تحتاج إلى تسليط الضوء على جحور التسلط وكهوف السلطة الشخصية، والكشف عن ثكنات جنودها المحاربين للكفاءات الوطنية المخلصة. إننا في حاجة إلى العناية بسياج حماية لأبناء الوطن العاملين بإخلاص المهمشين بقصد، ونتساءل عن مدى قدرة ذلك السياج على ردع الأقزام الإدارية من التسلل إلى حدود الكفاءة العاملة بفعالية التي تخدم المصلحة العامة واقتناصها وطعنها غدراً، وهي تعمل في حقل خدمة الوطن، ولا شك في أن ذلك مشروع رصاصة خارقة حارقة في خاصرة البلاد. والمتأمل يجد بين مستغلي النفوذ الوظيفي والأجهزة المعنية بصد مد الفساد مسافة تسمح بالإقصاء والتهميش، حيث «لا أردى من الديان إلا الضمين». والمسؤولون الذين ينهجون تلك الأساليب، مستهدفين الفئة العاملة المخلصة من دون سواها، لا شك يؤسسون لمرحلة جفاء بين المواطنين المخلصين والنظام العام ويزرعون الضغينة، ويقف وراء ما يعملون علامة استفهام كبرى تحتم الضرورة تبديدها، لأن ما يعملون بعد مشروع نجاحه مضمون، ومكاسبه عالية ستدر على خزانة تداخل الصالح، ما يعزز قيمة سهم الفساد، ويعبد الطريق للنيل من موارد الوطن البشرية المؤهلة، الذي يمثل وجودها عاملاً مساعداً في دفع عملية التنمية، وإلى جانب ذلك سيعبد الطريق للنيل من الوطن، من خلال عزل العقول العاملة، ولا أجد أزمة معاشة في بلادنا حالياً أكثر وضوحاً وخطراً من هذه اللازمة، ولا أجد تقاعساً مكشوفاً أكثر من تقاعس الجهات المعنية بسلامة تدفق العمليات الإدارية وحماية المخلصين والمميزين من أبناء الوطن القائمين عليها. ولا أعتقد بوجود ضريبة أعلى من رد فعل المسؤولين السلبي تجاه إخلاص وتميز الكفاءات الوطنية المتمثلة في تهميشهم وإقصائهم مهنياً. من الواضح أنه لا حسن في النية ولا سلامة في المقصد في ما نسمعه ونشهده من استغلال للسلطة الوظيفية للنيل من فئة نذرت نفسها لخدمة الوطن بصدق وإخلاص وإلحاق الضرر بتلك الفئة وبأساليب ووسائل تستمد تكتيكها من الاستراتيجية المريضة للأقزام الإدارية المنتفعة من وظائف خدمة الوطن. ما يجب قوله: إذا لم يُردم المستنقع انتشر الوباء ودفع بالناس إلى منافذ الخروج، إما عاتباً أو غاضباً، وهذا ما ترمي إليه القوى الراغبة في تعطيل عملية النماء ووسائل النمو، هكذا اعتقد والشكوى لله. [email protected]