انشغل الليبيون منذ ليل الخميس – الجمعة بتطور من شأنه خلط أوراق المعادلة في ليبيا، وتجسد ذلك بانشقاق الناطق باسم عملية «الكرامة» الرائد محمد الحجازي عن القائد العام للقوات المسلحة اللواء خليفة حفتر، وظهور الحجازي على قناة «الكرامة» وكيله الاتهامات لحفتر بالفساد وتحميله مسؤولية تأزم الأوضاع في بنغازي، علماً أن القناة المذكورة تابعة عملياً لقيادة الجيش، ما أوحى بوجود انشقاق واسع. وأفسح هذا التطور في المجال أمام سيل بالتكهنات حول دوافع الحجازي ومن وراءه، خصوصاً انه لجأ بعد ظهوره إلى مقر سلاح الدبابات (الكتيبة 204) الذي يتبع العقيد مهدي البرغثي المرشح لمنصب وزارة الدفاع في حكومة الوفاق، ما اعتبر مؤشراً إلى أن البرغثي متورط بدوره مع ضباط آخرين في انشقاق على حفتر في محاولة لإخراج الأخير من المشهد السياسي وتمهيد أرضية لظهور قيادة بديلة في الجيش موالية للحكومة المشكلة بموجب اتفاق الصخيرات. وأتاح ظهور الحجازي عبر التلفزيون فرصة للمناهضين لحفتر لتعزيز موقفهم منه استناداً إلى اتهامات الناطق باسمه، فيما تمسك الموالون لقائد الجيش بولائهم له، معتبرين أن ظهور الحجازي يؤدي إلى شق صف المؤيدين للجيش. وأسفر ذلك عن اصطفافات عنيفة بين مؤيدي حفتر وخصومه، لا يستبعد أن تتحول إلى مواجهات في بنغازي. وأمام ما وجهه الحجازي من اتهامات لحفتر بارتكاب تجاوزات مالية واستغلال منصبه وحتى التورط في تصفيات، اضطر رئيس مجلس النواب (في طبرق) عقيلة صالح بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية إلى إصدار قرار بتشكيل لجنة تحقيق برئاسة رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب وعضوية كل من رئيس لجنة المالية في المجلس ومدير الاستخبارات العسكرية والمدعي العسكري العام. وكلفت اللجنة بالاستماع إلى الحجازي وكل من ترى الحاجة إلى سماع أقواله وتقديم تقرير بنتائج التحقيق والتوصية باتخاذ ما تراه من إجراءات. ومما قاله الحجازي على قناة الكرامة أن «حفتر وحاشيته هم من قاموا بتشكيل ميليشيات على غرار كتائب القذافي تنتهك الأعراض والبيوت وتقطع الرؤوس وتقوم بحرق المنازل وهدمها». وأضاف ان «حفتر غاص في السرقات والاختلاسات للأموال التي تأتي للشعب الليبي وهو يقوم بشراء الشقق والفنادق هو وأبناؤه في الخارج، في حين يعاني النازحون في بنغازي أشد المعاناة وأقساها». وأعلن الحجازي أن عدداً من قادة المحاور في الجيش يشاركونه في موقفه، واقترح تشكيل مجلس عسكري من الشرفاء، مؤكداً أنه ليس لهم مطامع أو غايات سياسية أو طمع في حكم أو سلطة، مضيفاً أن هذا المجلس سيقوم بقيادة المعركة على «الإرهاب» ولن يتدخل في الشؤون السياسية والمؤامرات العسكرية. وسعى مقربون من حفتر إلى التخفيف من أهمية هذا التطور، معتبرين أنه نتيجة صراع على المناصب. وقال ل«الحياة» العقيد فايز الخالقي عضو قيادة الجيش الموالي لحفتر أن ما أقدم عليه الحجازي هو نتيجة «صراع على منصب الناطق الرسمي باسم الجيش بينه وبين خليفة العبيدي الذي أوكلت اليه القيادة مسؤولية المكتب الإعلامي التابع لها». وأضاف في اتصال هاتفي من مكتبه في طبرق ان «ليس مستبعداً وجود تجاوزات في المؤسسات التي تكون في طور البناء مثل الجيش». على صعيد آخر، قال منسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دو كيرشوف ان الهزائم التي تكبدها تنظيم «داعش» في وجه التحالف الذي يحارب الارهاب في سورية والعراق قد تدفع بعض قادة التنظيم للانتقال إلى ليبيا. ورأى دو كيرشوف في مقابلة مع «فرانس برس» أن «داعش» بات في موقع دفاعي بعد أن طرد من مدينة الرمادي العراقية وأمام عمليات القصف الجوي الكثيفة التي تستهدف مواقعه في سورية. وأضاف: «لذا من المحتمل أن يغادر قادة (في التنظيم) إلى ليبيا». واعتبر أن على الغربيين في هذه الحال، العمل على تدابير لمكافحة الإرهاب بالتشاور مع حكومة الوحدة التي تشكلت في ليبيا تحت رعاية الأممالمتحدة. وأوضح أنه سيكون من السهل في الوقت الحاضر على تنظيم «داعش» أن ينشط في ليبيا، حيث يعد حوالى ثلاثة آلاف مقاتل وحيث «لا توجد ضربات جوية ولا حكومة تعمل في شكل كامل».