تتمتع البعثات الديبلوماسية والقنصلية بالامتيازات والحصانات وفقاً لقواعد القانون الدولي الخاصة بالعلاقات بين الدول، ويأتي الاعتداء على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها العامة في مدينة مشهد، ليعيد إلى الواجهة التأكيد على حرمة البعثات الديبلوماسية، والمسؤولية الكاملة التي تتحملها دولة الإقامة. ونصّت المادة 22 من اتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية لعام 1961 على أن لمقار البعثة الديبلوماسية حرمة فلا يجوز دخولها أو اقتحامها إلا بإذن من رئيس البعثة. ويترتب على الدولة التزام خاص باتخاذ التدابير المناسبة لحماية دار البعثة من أي اقتحام أو ضرر، ومنع أي إخلال بأمن البعثة أو مساس بكرامتها. كما نصت المادة 24 من الاتفاقية على أن تكون حرمة محفوظات البعثة أو وثائقها مصونة دائماً أينما كان مكانها. وكذلك الشأن بالنسبة للمباني القنصلية، فحرمة هذه المباني مصانة وفقاً لما نصت عليه المادة 31 من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963، وبموجب الاتفاقية يقع على عاتق دولة الإقامة التزام خاص باتخاذ التدابير المناسبة لمنع اقتحام وتضرر المباني القنصلية ولمنع تعكير سلام البعثة القنصلية وامتهان كرامتها. وبناء على مقتضيات الاتفاقيتين المشار إليهما فإن دولة المقر، الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الحالة محل البحث، يقع عليها الالتزام باتخاذ الإجراءات الكفيلة بصون حرمة البعثة الديبلوماسية السعودية ومنع إلحاق الضرر بها أو المس بكرامتها. وهذا الالتزام ليس التزاماً بوسيلة فقط وإنما هو التزام بنتيجة، لأن الدولة المضيفة يقع على عاتقها بموجب القانون الدولي مسؤولية اتخاذ ما يلزم من الإجراءات الخاصة لحماية البعثة الديبلوماسية، ويفترض أن تتعدى هذه الإجراءات ما تتخذه الدولة من تدابير عادية لحماية النظام العام الداخلي. ومن هنا كان من اللازم أن تقوم السلطات الإيرانية بمنع التظاهر بالقرب من البعثة الديبلوماسية السعودية وأن لا تسمح للمتظاهرين بالوصول إليها أو اقتحامها والاعتداء عليها، وكان من المفترض أيضاً عدم إطلاق التصريحات الإعلامية التي من شأنها تأجيج مشاعر المواطنين ضد الدولة التي تتبعها البعثة الديبلوماسية. ما حدث في 2/1/2016 من اعتداء على السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران من حشود المحتجين يعد خرقاً سافراً من طرف إيران لالتزاماتها الدولية، وتزامن ذلك مع تصريحات المسؤولين الإيرانيين ضد السعودية على خلفية تنفيذ حكم الإعدام بحق المواطن السعودي نمر النمر ومجموعة من المدانين الآخرين بتهمة ارتكاب أعمال إرهابية، تلك التصريحات أدت إلى تأجيج المشاعر ضد المملكة ودفعت بالمتظاهرين للاعتداء على مقرّي السفارة والقنصلية السعوديتين، حيث تم اقتحام المقرين وإحراقهما والعبث بمحتوياتهما. اعتداءات تشكل انتهاكاً لقواعد القانون الديبلوماسي والقنصلي، مما يلقي بالمسؤولية القانونية الكاملة على ايران بموجب اتفاقيتي فيينا المشار إليهما، لا سيما أن قوات الأمن الإيرانية لم تتدخّل لمنع المتظاهرين من الوصول إلى مقرّي السفارة والقنصلية السعوديتين، بل إن اقتحام المقرين وإضرام النار فيهما تم على مرأى من عناصر الأمن الإيراني (وفق ما تُبين صور على مواقع التواصل الاجتماعي). ولئن كانت المادة 22 من اتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية لم تحدد ماهية المسؤولية الناجمة عن عدم تقديم الحماية اللازمة للبعثة الديبلوماسية، فإن ذلك لا يعفي إيران من المسؤولية تجاه الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بالسفارة السعودية في طهران وقنصليتها العامة في مشهد، وبالتالي فإن قواعد المسؤولية الدولية تنطبق في هذه الحال، باعتبار أن أي انتهاك لالتزام من الالتزامات التي تفرضها أحكام القانون الدولي يؤدي إلى نشوء المسؤولية الدولية. وهناك سوابق قضائية في هذا الشأن أبرزها حكم محكمة العدل الدولية الذي صدر في أيار (مايو) 1980 في شأن قضية الرهائن في السفارة الأميركية في طهران، والذي حمّل إيران المسؤولية عن أعمال الأفراد الذين قاموا بمهاجمة السفارة الأميركية في طهران واحتجاز بعض أعضائها كرهائن، وقضى بحق الولاياتالمتحدة في مطالبة إيران بالتعويض عن الأضرار التي لحقت ببعثاتها الديبلوماسية والقنصلية. وبسبب تقصيرها في حماية السفارة والقنصلية السعوديتين، فإن إيران تتحمل المسؤولية عما لحقهما من أضرار جراء هجمات المتظاهرين، ومن حق المملكة رفع دعوى في هذا الشأن أمام محكمة العدل الدولية. غير أنه إذا كانت آثار المسؤولية الدولية تتمثل في التعويض والترضية، فإن سياق التوتُّر الحالي في العلاقات السعودية- الإيرانية يُنذر بما هو أبعد، لا سيما بعد إعلان الرياض قطع علاقاتها الديبلوماسية والتجارية مع طهران، وإقدام عدد من الدول العربية على خطوات مماثلة تضامناً مع المملكة. * باحث مغربي.