إن كان الشيطان يكمن في التفاصيل، فإن قراءة السياقات فعلٌ ملائكي، وهكذا يبدو الأمر مع متابعة المواقف الإيرانية منذ مطلع الأسبوع حيال قضية إعدام نمر النمر. فالبيانات والتصريحات السياسية والإعلامية الإيرانية لم تتوقف عن إغراق المشهد بالمواقف والتفاصيل الانتقائية منذ إعلان وزارة الداخلية السعودية إعدام 47 مداناً بقضايا إرهاب. ومعها، فإن السؤال هو: إلى أين تريد أن تأخذ إيران علاقتها مع السعودية بتدخلها في شأن داخلي سعودي؟ من تابع قضايا الإرهاب في السعودية، فإن الأحكام صدرت على المدانين منذ مدة، ومن نُفذ بحقهم الإعدام كانوا على رأس قوائم المطلوبين أمنياً التي نشرتها وزارة الداخلية، وكل قضية استوفت حقها من إجراءات الضبط والتحقيق والتقاضي المتعارف عليها في المملكة. والأحكام القضائية، في ذاتها، خصوصاً تلك المرتبطة بقضية نمر النمر، لم تكن مثار طعن من محامي النمر الدكتور صادق الجبران، بل إن المطالبات التي تبعت صدور الأحكام، كانت ترجو العفو الملكي لا نقض الأحكام. لكن الأمر بالنسبة لإيران يبدو خاضعاً لموازين أخرى تحكمها ظروفها السياسية وأولويات ومصالح اللاعبين السياسيين في المشهد الإيراني. وبحسب ما نقلت صحيفة «واشنطن بوست» على لسان عضو مجلس الأمن القومي الإيراني السابق عزيز شاه محمدي، فإن الاعتداء على السفارة لم يكن إلا لخدمة أغراض مجموعة سياسية إيرانية معينة. وتساءل محمدي مستنكراً: «أي مجموعة في إيران ستستفيد سياسياً من اقتحام سفارة؟»، مشيراً إلى أن الإجابة تكمن عند المتشددين داخل إيران، الذين وبحسب محمدي: «هم حتى ضد وجود مدربي كرة القدم الأجانب لتدريب الفرق الإيرانية»، مضيفاً «بالنسبة لهم، قد يؤدي هذا الأمر إلى نجاح انتخابي، لكنهم لا يرون الصورة الأكبر، وهي أننا نريد الهدوء والسلام». وأشار المسؤول الإيراني السابق إلى أن قطع العلاقات مع السعودية سيكون له تبعاته التي قد تؤدي إلى عزلة إيران مجدداً. وبالعودة إلى بيان الحرس الثوري الإيراني بعد إعدام النمر، فإن محتواه لم يكن بعيداً عن طريقة التفكير التي تحدث عنها عزيز شاه محمدي، ولا مختلفاً عن سطحية المتظاهرين الذين نقلت عنهم «واشنطن بوست». فالبيان والذي كان أسرع من بعض ردود الفعل الرسمية الإيرانية الأخرى، وامتلأ بالتهديد والوعيد وكأن الأمر كان اعتداءً على أرض إيرانية أو ضد أحد جنودها، وليس شأناً داخلياً سعودياً.