كعادتها، دولة تدعو "زعماً" للوحدة، وتفرح بالانقسام. تضع الجمهورية الإيرانية الإسلامية أصابعها في تغذية الصراعات الدائرة بالمنطقة، من أجل تحقيق مكاسب سياسية ترتكز على النفوذ، مقابل تدمير دول بأكملها، وما اليمن إلا خير دليل على التخبطات الإيرانية في المنطقة، في صور عديدة للتدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول، ضاربة بكل الأعراف الدبلوماسية واحترام الآخر، عرض الحائط. في طهران، وبُعيد إصدار القضاء السعودي المنبثق من تعاليم الشريعة الإسلامية حكمه الأخير على ما يعرف ب"رأس فتنة العوامية"، نمر النمر، ظهرت أصوات النشاز عبر وسائل إعلامها، واصفة الحكم القضائي ب"الإعدام"، وفي ذلك استخدام لعبارات ليست في مكانها المناسب. ومن هذا المنطلق، يجد سياسيون تحدثوا إلى "الوطن"، أنفسهم مستغربين من التدخل الإيراني، في وقت يُعرف عنها أنها هي من تمارس هذه الأحكام بشكل مجحف بحق مواطنيها الأبرياء، بينما النمر اعترف بالتهم الثابتة عليه. سلب الحقوق ب"المذهبية" أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الملك سعود الدكتور عادل المكينزي يقول ل"الوطن": "أولا يجب أن نعرف أن المملكة في تعاطيها مع الواقع ليست بجديدة، فالتعامل العادل مع شرائح المجتمع منذ عهد المؤسس هو الديدن، وهذا ما جعل المملكة في قمة نكبات دول الجوار بلدا آمنا، بفضل الله". وأردف حديثه للصحيفة قائلاً: إيران سلبت حريات مواطنيها باعتبارات مذهبية وعرقية، وكما يقال إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي الناس بالحجارة، والتدخل الإيراني من خلال توظيف وسائل إعلامها أو الإعلام الغربي للحديث عن هذا القرار القضائي العادل، يجعلنا نشير إلى الواقع الذي تعيشه شرائح المجتمع الإيرانية كالسنة والعرب الأحواز والإعدامات الصادرة بحق الأبرياء منهم دون أي تهم، وعدم إتاحة العدالة في أبسط صورها لهذه الفئات والانتماءات العرقية غير الفارسية في إيران، وهناك معاناة للعرب الأحواز تؤكدها منظمات حقوق الإنسان، حتى الحديث باللغة العربية أصبح جناية ويحاسب عليها المواطن الإيراني البسيط، ناهيك عن قتل العلماء السنة في إيران". طهران وفقدان "الأذناب" من جهته، أرجع الإعلامي المختص بالشأن الإيراني في وكالة الأنباء السعودية عايد الشمري، أسباب الغضب الإيراني، لفقد طهران أحد "أذنابها"، الذي تعبت على صناعته وتعليمه لسنين في "قم"، والذي كان يدير الخلايا الإرهابية، ومن الصعب إيجاد بديل له في زمن قصير. وبحسب ما يراه الشمري فإنه قد ثبت أن "نمر النمر" هو رجل إيران في السعودية بعد هذه التصريحات الرسمية من قبل المسؤولين الإيرانيين، وكذلك الاهتمام الواسع في الصحف الإيرانية بقضية الحكم على "النمر"، ولا ننسى شجب الذراع العسكري لإيران في لبنان "حزب الله"، مضيفاً "السعودية تعتمد على سياسة النفس الطويل مع الهرطقات الإيرانية التي لا تؤثر على الداخل السعودي، بل إن هذه التصريحات الإيرانية أثبتت العلاقة بين "نمر النمر" وإيران وكذلك مخربي القطيف". الركض وراء تصدير "الثورة" وبالعودة للدكتور عادل المكينزي أشار إلى أن طهران وبعد الثورة الإيرانية في عام 79 أصبح لديها أيدلوجيا جديدة ورغبة في التوسع وتصدير ثورتها آنذاك، مضيفاً "وبدأ الحديث عن تصدير هذه الثورة والوصول إلى المنطقة الخليجية ومحاولة اختراق المنطقة العربية بشكل عام، ومن هذه ما نشهده الآن من المحاولات الإيرانية للتدخل في أمر سيادي سعودي، وهي تتعامل مع هذا الشأن، والمملكة تتعامل مع المخربين مهما كانت دياناتهم أو مذاهبهم بحزم ودون تفرقة". ووصف المكينزي الحديث الإيراني عن هذا الأمر الخاص بالداخل السعودي، على أنه تدخل صارخ وتجاوز وتطاول على سيادة المملكة، مبيناً أن القيادة السعودية تتعامل بعدالة مع المخطئين بكافة أطيافهم، وما هذه التدخلات الإيرانية إلا أثبات لعلاقتها ب"رأس الفتنة". 936 قتيلا إيرانيا في 14 شهر الشمري قال إنه من الغريب أن تتدخل طهران في قضية داخلية سعودية كإصدار حكم شرعي بحق مجرم ثبتت إدانته، وليس فقط على مستوى الصحف، بل حتى مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان تحدث عن هذا، بينما تناسى الانتهاكات الإيرانية لحقوق الإنسان التي تتم بشكل يومي، بما في ذلك شنق مئات المواطنين المدانين باتهامات مختلفة مثيرة للجدل وملفقة ومن بينهم عدد من صغار السن. واستشهد الشمري بأحداث واقعة داخل البيت الإيراني الزجاجي –على حد وصفه-، وأنه خلال ال14 شهراً الماضية ومنذ تولي الرئيس الإيراني حسن روحاني، فإن السلطات الإيرانية قامت بتنفيذ 936 عملية إعدام على الأقل، منهم 22 امرأة و10 حالات تقل أعمارهم عن 18 سنة، وفقاً لبيانات جمعها مركز توثيق حقوق الإنسان الإيراني في أميركا. صور القمع الإيراني في السياق ذاته، لم ينس الشمري إعدام الطفل إيراج الناصري، الذي كان عمره "أقل من 15 عاماً" عندما وجهت له السلطات الإيرانية تهمة "القتل العمد"، مبيناً أن الأممالمتحدة أعربت عن خيبة أملها لتزايد تنفيذ أحكام الإعدام في إيران، على لسان المتحدثة باسم مكتب مفوضية الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان رافينا شامداساني، كما أن منظمة العفو الدولية أصدرت هذه السنة أكثر من بيان تنتقد فيها كثرة الإعدامات في إيران. تشتيت عرب إيران الدكتور المكينزي أيضا استشهد برواية خاصة وهو يستقل إحدى سيارات الأجرة في كندا، إذ تبين له أن سائق المركبة من عرب الأحواز، إذ تحدث السائق بحرقة عن تزايد أعداد المهاجرين من عرب الأحواز إلى بلدان العالم بعد أن سلبت الحكومة الإيرانية حرياتهم. وبين المكينزي أن المملكة تتعامل مع المذاهب والديانات دون تفرقة، إذ يمارس الشيعة عباداتهم في مناطقهم بكل حرية، وهذا ما لم توفره إيران للمسلمين السنة، مضيفاً "في إيران مسجد واحد للسنة، و7 معابد لليهود وهم أقلية هناك لا يقارنون بالسنة، فمن باب أولى أن تستر إيران نفسها قبل أن تتهم غيرها بعدم العدالة". التصفية على أساس الهوية ويرى أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الملك سعود أن الحديث عن إيران والإعدامات المتكررة التي تستند فقط للهوية ويروح ضحيتها أناس يعبرون سلميا عن آمالهم في الأحواز وبلوشستان والسنة والأكراد، فإننا نجد الإعدامات بالمئات والاختفاء القصري متكرر ولم تتدخل السعودية في هذا الشأن، احتراما لمبادئها في الأعراف الدولية التي تعيرها المملكة اهتماما وعدم تدخلها بشؤون دول أخرى. وشدد المكينزي على ضرورة أن تعيد المملكة ودول الخليج النظر في التعاطي مع التمدد الإيراني ومحاولات طهران للتدخل في شؤون البلد والتعاطي مع قضية داخلية أخذت مجراها القضائي والقانوني، موضحاً أن طهران لديها العديد من الثغرات التي يجب أن تستخدمها دول الخليج لإيقافها وإجبارها على احترام الأعراف الدولية وحقوق الجوار. تهم جاهزة وشعب بلا تواصل وبالعودة للشمري قال: ما تفعله إيران مع عرب الأحواز من انتهاكات وتجويع وإعدامات وتهم جاهزة تحت مسمى "محاربة الدين" وانتهاك الأمن القومي أو الاتصال مع الوهابية كما يزعمون، ومناظر الشنق اليومية في الشوارع العامة، تتناساها الصحف الإيرانية ولا تذكر شيئا من حقوق الأقلية البلوشية التي تعيش في القرون الوسطى على حدودها مع باكستان. وأضاف الشمري قائلاً: "إيران التي منعت أكثر من مليون "سُني" في طهران من إقامة صلاة عيد الأضحى الماضي، فكيف لها أن تتحدث عن حكم على "مواطن سعودي"، وإيران التي تمنع شعبها من "واتس آب" و"فايبر" و"تانجو" و"تويتر" و"فيس بوك" وجميع وسائل التواصل الاجتماعي تتحدث عن حرية الرأي في السعودية، حدث العاقل بما يعقل". واختتم المتحدثان للصحيفة قولهما بأن السعودية تطبق الشرع على السُنة والشيعة، على حد سواء، وفي ذات الأسبوع تم الحكم على مجموعة من معتنقي فكر "القاعدة" و"نمر النمر" بالقصاص تعزيرا، دون تمييز مذهبي أو طائفي، فالكل تحت طائلة القانون المُحكم من شريعة الله وسنة نبيه.