جدد رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري دعوته إلى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، مؤكداً «أن الطائفية هي علة العلل». وقدم بري في محاضرة حول «تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية» بدعوة من «جمعية متخرجي الجامعة الأميركية في بيروت»، مطالعة قانونية ودستورية وتاريخية دفاعاً عن اقتراحه، ضمنها عرضاً تاريخياً عن واقع الطائفية السياسية قبل الاستقلال وبعده، وسعي الزعماء لإلغائها مستشهداً بآراء وشهادات لبعضهم وبخاصة رئيس حكومة الاستقلال الأولى رياض الصلح، إضافة الى التعديل الجزئي للمادة 95 من الدستور بعد الاستقلال، وإلغاء التمثيل الطائفي من النصوص وكذلك في قانوني الانتخابات البلدية والمختارين في الخمسينات. وقال بري: «انتظار إلغاء الطائفية من النفوس لكي تلغى لاحقاً من النصوص، يعني أننا سنبقى متنظرين الى ما شاء الله». وأضاف: «بقاء المادة 95 بعد التعديل الأول لم يكن تبنياً للطائفية السياسية من جانب مجلسي النواب والوزراء، بل توقف العمل بالمراحل التالية لعملية الإلغاء بفعل اسباب ومستجدات وتطورات متعددة منذ نهايات العهد الاستقلالي الاول وحتى عام 1990». وأشار إلى أن «الأمر لم يقتصر على توقف الإلغاء بل أدى إلى تنامي المسألة مع الوقت وتزايد البعد الطائفي وهي تتمثل بقول الجميع ان الطائفية علة العلل، ومقابل هذا القاسم المشترك من النادر النادر أن يبقى مَن يلقي شيئاً من القطران لمقاومة هذا الجرب في الجسم الوطني... وبدلاً من ان تنخفض الطائفية توطدت في التشريع اذ ادخل المشترع الى الدستور نصاً لمراعاة التوزيع الطائفي في الوظفية، الامر الذي لم يجعل اعتماد هذه المادة موقتاً». وأشار إلى «نص دستوري يقول إن على المجلس النيابي المتنخب على اساس المناصفة، اتخاذ الإجراءات المناسبة لإلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة برئاسة رئيس الجمهورية وتضم الى رئيسي المجلس والحكومة شخصيات فكرية وسياسية، وحددت مهمتها وهي دراسة واقتراح الطرق الآيلة الى إلغاء الطائفية السياسية... وهذا يظهر جلياً إلزامية الإجراءات الآيلة الى الإلغاء وإلزام المجلس النيابي تشكيل هذه الهيئة». وقال: «مبادرتي لتشكيل الهيئة كانت إلزاماً علي كرئيس ولم تكن خياراً أبداً وهذا ما يدعوني الى القول ان ليس لأحد ان يواجه دعوتي بأنه وقت غير مناسب وان هناك منفعة سياسية او غير سياسية فمن يقول ذلك عليه ان يقيم الدعوى على دستور بلده لوضعه هذا النص ولا يقيم الدعوى على المجلس النيابي». وأضاف: «الدولة التي لا يحترم سياسيوها دستور بلدهم ويتقيدون بنصوصه يستحقون الشفقة وقد تكون في غير ثبات ولا استقرار». وأجرى بري مقارنة بين المواد الدستورية، معتبراً أن «الاستهانة بالعمل في ما جاء بالمادة 95 يعني وقف العمل بمواد دستورية اخرى وهي مواد دستورية مهمة جداً». وقال: «مبادرتي لتشكيل الهيئة لا تعني بأي شكل من الأشكال ان الغاء هذا الجانب من الطائفية يتحقق بإتمام عملية التشكيل، ومن المفيد ان نتصور كيف يمكن ان تكون الهيئة التي يرأسها رئيس الجمهورية وتضم رئيسي المجلس والحكومة وشخصيات غير محددة العدد وممثلين عن كل الطوائف وكل القوى السياسية والاتجاهات، وبصرف النظر عن عامل الوقت، فإن هذا التنوع الشامل سيكون ضمانة لسحب الخوف خصوصاً أن ما تقترحه الهيئة يتخذ بالإجماع»، معتبراً أن «هذا الخوف مفتعل لا سبب له ولا ذريعة تبرره الا الحرص على المصالح الشخصية والفئوية وليس مصلحة الطائفة». ودعا إلى «مواجهة الطائفية السياسية لأنها اصبحت مستشرية، ولأن الركون للعلة يؤدي دائماً الى استفحالها والموت»، معتبراً أن «ما ينتج عن مواجهة المد الطائفي من سلبيات يبقى أقل تكلفة من ابقاء اليدين مكتوفتين»، معتبراً أن «التمسك بعدم تطبيق المادة 95 من الدستور بحجة الحرص على الطوائف وحقوقها، فيه الكثير من الاستهانة بالتاريخ وعقول الناس، ومهما كان الميزان دقيقاً فلن أصدق ان عدالة التمثل ستكون محققة بل ستبقى هناك طوائف واقعة تحت الحرمان... إلغاء الطائفية هو الطريق الإصلاحي الحقيقي». وأوضح بري رداً على أسئلة من الحاضرين أن إلغاء الطائفية السياسية «قد يستمر 30 سنة اذا كنت متفائلاً»، مشيراً إلى أن «وظيفتها بعد التأليف ان توازي بين النفوس والنصوص. مثلاً إعادة تنظيم الإعلام لا يكون فيه اعلام يفرق اكثر فأكثر، كتاب تاريخ موحد. تحويل المؤسسات العامة لتقوم بمنافسة المؤسسات الخاصة، الخدمة الإلزامية في الجيش، العودة إليها لا إلغاؤها، قانون جديد للأحزاب، الزواج المدني الاختياري الذي توقف». وقال: «عدم انشاء الهيئة هو انقلاب على الطائف. انشاؤها هو منطق الإصلاحات وأمها». وأشار إلى أنه فوجئ أن «ليس لفريق واحد تحفظات عن الغاء الطائفية السياسية، واصبح المسلمون متمسكين ايضاً بالطائفية. ووجدت ان الجو لا يزال دون اتخاذ قرار في المجلس النيابي للعمل على تشكيل الهيئة فرأيت طرح الموضوع على الشعب». ورأى أن «بالإمكان الوصول الى قانون مدني مع الإبقاء على ارتباط كل شخص بدينه، مشكلة لبنان ليست بتعدد طوائف إن هذا التعدد غنى، المشكلة استخدام الدين لغايات سياسية وغير سياسية. الشخص الطائفي لا يذهب لا لمسجد ولا لكنيسة». وعن المحاصصة في اختيار الموظفين قال بري: «الآن هناك حركة جديدة حول اختيار الموظفين وخطة حُضرت، أنا من المتحمسين لاختيار الموظفين على اساس الكفاءة. اذا طبقنا هذا الأمر فسيكون خطوة الى الأمام، اذا مررنا عن هذه المرحلة اي التعيينات نكون تجاوزنا عقبة»، داعياً إلى «التمييز بين المؤسسات العامة وبين الوظائف الإدارية من داخل الملاك. القانون يعطي نسبة معينة داخل الملاك، واكثر التعيينات جاءت من المؤسسات، واذا طبقنا هذا البند، الكفاءة سيكون لها حيز كبير».