تصطف الطوابير الطويلة صباحاً من مختلف الفئات والأعمار في صف طويل يلغي فوارق المراتب الاجتماعية والمناصب؛ للحصول على قطعة خبز «التميس» الدائرية، التي تجمع حولها كل الأذواق من دون استثناء. طابور المخابز في المملكة، يشترك فيه العسكري بزيه الرسمي والممرض بملابسه ذات اللونين الأبيض والأزرق، وموظف المطار العجول والشيخ الكبير والطفل الذي تنتظره والدته في زاوية الشارع، في تظاهرة بسيطة تجعل من «التميس» رفيق الصباح البارد المصحوب بالقليل من جرّة الفول، فيما يكاد من المستحيل أن تصل دائرة «التميس» كاملة إلى وجهتها القريبة. «التميس» هو الخبز المعروف في مدن الحجاز، ومنها انتشر إلى بقية مدن السعودية، وتواترت الروايات على مسار رحلته المقبلة من دول آسيا الوسطى واستقراره في الحجاز من أهل تلك الدول، وخصوصاً منطقة «بخارى»، ولذلك يشتهر باسم «التميس البخاري»، ويشبهه خبز «التنّور الهولي» أو الباكستاني، ولكنّه أكبر حجماً منه وأكثر سماكة. ويختلف «التميس» في التركيب والمكونات، إذ يشمل أنواعاً، هي: العادي والسمن والبسكويت، وأكثر أنواعه انتشاراً اليوم هو التميس الأفغاني، بينما اختُلف على أصل كلمة «تميس»، إلا أن أرجحها هو الأصل الفارسي، وهو ما يؤكده كثير من الروايات حول رحلته القادمة من الشرق، وأن مفردة «التميز» المنطوقة بحرف «الزاي» تعني «نظيف» بالفارسية، ويرجح أن أصل الكلمة هو «نان تميز» ويعني «خبز نظيف»، فأخذ الناس الصفة «تميز» وتركوا الموصوف «الخبز». ولم يكتفِ الناس في السعودية بالأنواع الرئيسة القديمة من «التميس» التي تشمل «العادي» الذي يكون مليئاً بالعجين، والبسكويت الذي يكون رقيقاً ومقرمشاً، والتميس بالسمن ذي العجين المختلف الذي يبدو مرسوماً على شكل دوائر، ويُدهن بالسمن حال خروجه من التنور، إذ تم استحداث تميس الجبنة، والتميس بالحبة السوداء الذي تُرش عليه الحبة السوداء من أعلى بعد استوائه، وتميس السمسم الذي يُرش كذلك فوقه سمسم بعد استوائه، وتميس السكر المغطى بذرات من السكر فوق العجين قبل إدخاله فرن التنور، وتميس البُر. ويؤكد عز الدين الأفغاني صاحب محل التميس في أحد شوارع جدة المعروفة، أن «التميس» لم يفقد بريقه أو الإقبال عليه يوماً، بل إن الإقبال عليه، وخصوصاً في الأيام الباردة يزداد، بسعره ذاته ومكوناته التي لم تتغير منذ أعوام عدة. ويضيف: «استمر التغيير والتطوير على التميس مع بقاء أصله، في محاولة من المحترفين في هذا المجال إلى إدخاله على الموائد العالمية بتغييرات طفيفة، إما بحجمه أو بشكله ومكوناته، ولكن يبقى الطابور الصباحي وسعره الزهيد هما ما يميزه ويضفي عليه رونقه الخاص ويعزز شعبيته الرائجة لدى الأسر في السعودية، ولا سيما الحجازية».