قال عنه نزار قباني إنه «يكتب شعراً بالكاميرا»، وارتبط بعلاقة وثيقة بالكاتب الليبي الصادق النيهوم، وكان ومنذ أواخر ستينات القرن الماضي يحمل الكاميرا ويرحل عبر العالم بحثاً عن المعرفة والجمال. فتحي العريبي الفنان الليبي المختلف منذ بداياته الأولى، واصل البحث والتجديد في فن ظلت الأوساط الفنية والثقافية تنظر إليه كمهنة لا يمكن أن ترقى إلى مصاف الفنون. كانت بنغازي في النصف الثاني من القرن العشرين تقتدي ببيروت، وكان مثقفوها وفنانوها يؤسسون لنكهة جديدة للثقافة والفنون في ليبيا ثقافة أكثر انفتاحاً على العالم وأكثر طموحاً إلى المساهمة في هذا الجديد. كان شباب العالم في ذلك الوقت يبحثون عن معان جديدة للحياة، وثورة الطلاب في فرنسا التي قادها مثقفون شباب قد نجحت في ترسيخ قيم أكثر إنسانية وعدلاً تجاه الأقليات والنساء والشعوب الفقيرة والمستعمرة. ونهضت فنون أكثر انفتاحاً على ثقافة تلك الشعوب والأقليات ليتخلص الفن من تلك المركزية الأوروبية للإبداع ويصبح أكثر إنسانية وانفتاحاً. انخرط المصور الليبي فتحي العريبي، وبدعم من الصادق النيهوم في هذا الخضم المعرفي والجمالي، وأنتج صوراً فوتوغرافية مختلفة عما عرف الليبيون في ذلك الوقت. لم تكن صوراً للذكرى ولا للاستخدام الإداري أو للتزيين، بل كانت نصوصاً بصرية يكتبها شاعر بالضوء والظل ثم بالألوان. تعبّر عن رؤية الفنان والشاعر للحياة والناس والكون، فكانت المدينة والوجوه الشعبية والبحث عن معنى مختلف للذات والتراث... كانت صورة العريبي قصيدته البصرية وعواطفه ورؤاه، تتوازى مع ما يكتب النيهوم وخليفة الفاخري من حكايات وآراء عن بنغازي وليبيا في ذلك الوقت. وزيادةً في التجديد والتجريب والبحث، اتجه العريبي إلى السينما والتلفزيون فأخرج وأنتج أفلاماً وثائقية جديدة ومختلفة عن مثقفين وفنانين ليبيين في ذلك الوقت، مثل فيلمه القصير عن الصادق النيهوم وعن الرسام الليبي عمر جهان. كانت تلك التجربة شديدة الخصوصية في ذلك الوقت ومغامرة بصرية في مجتمع يسوده الكلام، قدّمها العريبي في عروض خاصة لبعض الفنانين والمثقفين في بنغازي. وانتقلت تجربته أواخر السبعينات من القرن الماضي إلى «التيمة» الواحدة، بمعنى أن يتفرغ المصور لموضوع واحد، يقرأ من خلاله كل شيء. وكانت الحمامة بكل ما حملته من معان ورموز «تيمة» العريبي وانشغلت كاميرته بها، بل تحول الى مربٍ لذلك الكائن الوديع. وكانت حمامة «نوح» عليه السلام وحمامة بيكاسو وحمامة الواقع والأحلام موضوع العريبي الأثير... قادته الحمامة إلى الكتابة فكتب كتاب «عش الحمامة»، وتلك كانت تجربة أخرى مع النص المكتوب الذي جاء رديفاً للنص البصري. ومن «التيمات» اللافتة التي انهمك العريبي في تصويرها في بدايات القرن الجديد، صلعة الرجال بكل رمزيتها وسياقاتها والإحساس بها، فراح يحضر الندوات والمؤتمرات ولا يهتم إلا بأشكال الصلَع في رؤوس المثقفين والسياسيين الحاضرين. تعتبر تجربة فتحي العريبي رائدة في فن التصوير الفوتوغرافي الليبي، وهو من أوائل الليبيين الذين نقلوه من فن محايد وجامد إلى أداة فنية كالرسم والنحت والشعر تعبر عن رؤى من يحمل الكاميرا وأحاسيسه. وجدير بالذكر أن فتحي العريبي لا يزال يعمل وينتج، وها هو يتجدد مع فن الغرافيك ويخوض بواسطة إمكاناته مغامرات واسعة من دون أن يتخلى عن كتابة النص كرديف ومكمل للنص البصري. كما يقدم آراءه الفنية أيضاً عبر التصوير، ف «يقرأ» بيكاسو وسلفادور دالي بالصورة مع نص مكتوب، وينشر كتباً كتبت بالصورة والحرف.