بعد مضيّ سبع سنوات من تطبيق سياسة نقدية فضفاضة جداً، رفعت الولاياتالمتحدة سعر الفائدة هذا الشهر. وقد بدأت فترة الانفراج في منتصف عام 2007، عندما خُفّض سعر الفائدة من 5.25 في المئة ليصل إلى 4.75 في المئة فى سياق عدم الاستقرار المالي وتشديد شروط الائتمان، حتى وصلت إلى 0.25 في المئة. ومنذ ذلك الحين، تحسّنت الأوضاع الاقتصادية في شكل ملحوظ، فقد أخذ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في النمو المستمر بمعدل يفوق نسبة 2 في المئة سنوياً فى العام ونصف العام الماضيين، بينما انخفض معدل البطالة من 10 في المئة عام 2010، إلى 5 في المئة هذه السنة، واستقر النمو السنوي للأجور عند نسبة تفوق 4 في المئة خلال العامين الماضيين. ومع ذلك، رأى تحليل أسبوعي للأسواق الناشئة الصادر عن «شركة آسيا للاستثمار»، أنّ الاقتصاد الأميركي ما زال يواجه تهديدات كبيرة على الجبهة الخارجية. فالطلب العالمي لا يزال هشاً أمام ازدياد قوة الدولار. ووفقاً للتقرير، تشير هذه التهديدات إلى جانب انخفاض التضخم وتحذيرات مجلس الاحتياط الفيديرالي، إلى أن زيادة سعر الفائدة ستحصل تدريجاً، وأن السياسة ستبقى مرنة نسبياً حالياً. ولفت التحليل إلى أنّ تغيرات أسعار الفائدة في الولاياتالمتحدة تشغل الأسواق الناشئة. ففي آسيا، معظم العملات تندرج تحت نظام التعويم وبالتالي لا تتقيّد بالدولار، ويُرجّح أن تواجه هذه العملات ضغوطاً حتى يتم خفضها عندما يرفع مجلس الاحتياط أسعار الفائدة، إذ تكون الأصول المُسعَّرة بالدولار أكثر جاذبية بالنسبة الى مثيلاتها في آسيا بسبب توفيرها عائدات أعلى، ما يؤدي إلى تدفّق الأموال إلى الخارج ونقص قيمة العملات. وأورد التقرير أن في استطاعة المصارف المركزية الآسيوية أن تسعى إلى مواجهة آثار السياسة النقدية الأميركية من خلال رفع معدلات الفائدة، لكن هذا سيبطئ النمو ويثير تنبؤات بانكماش الاقتصاد في منطقة تعاني مسبقاً من التباطؤ والانكماش. يُذكر أن فترة زيادة معدل الفائدة في منتصف التسعينات تسبّبت بخروج الأموال من آسيا بمعدل كبير، لكن الظروف الاقتصادية الكلية في المنطقة تعتبر أفضل كثيراً الآن، حيثُ يوجد في الحساب الحالي فائض بنسبة 4 في المئة مقارنة بنقص بنسبة 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتراجعت الديون الخارجية القصيرة الأجل بمقدار النصف من نحو 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ولم تعد العملات مرتبطة بالدولار، وزاد الاحتياط أكثر من الضعف ليبلغ أكثر من 140 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وعموماً، لن يكون تأثير تشديد الولاياتالمتحدة التدريجي على السياسة النقدية الآسيوية، كبيراً مثلما كان في 1997. وأضاف التقرير أن إطار العملة في دول الخليج يختلف اختلافاً جذرياً عما هو عليه فى معظم البلدان الآسيوية، خصوصاً أن العملات الخليجية مرتبطة بالدولار مع وجود مرجع اسمي في سلة العملات كما هي الحال في الكويت. ورأى أن ربط العملة يعني فقدان استقلالية السياسة، بحيث يتم اتباع سياسة أسعار العملة المرجعية أو تحمّل خطر تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج. وجاء في تقرير «آسيا للاستثمار»: «في الواقع، فإن دول الخليج قد تكيّفت مع الوضع الجديد. وعلى سبيل المثل، رفعت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) معدل الريبو العكسي بمقدار 25 نقطة ليصل إلى 0.5 في المئة، وكذلك استجابت الكويت والإمارات والبحرين لقرار مجلس الاحتياط الفيديرالي. في الوقت ذاته، تتعرض دول الخليج بدرجة كبيرة لسوق الطاقة المتدهورة، والتي تمثل نصف الاقتصاد وتبلغ 85 في المئة من الإيرادات العامة. ويمثل انخفاض أسعار النفط وتشديد شروط الحصول على الائتمانات مشكلة جسيمة لدول الخليج. وإلى جانب خطر إبطاء النمو، قد يواجه نظام العملة ضغطاً كبيراً في حال ظلّت الأوضاع على ما هي عليه واستمرت دول الخليج في إنفاق احتياطها من العملة الصعبة. ويرى التقرير أن الأسواق الناشئة تنقسم بين عنصرين، الأول هو التشديد التدريجي للسياسة النقدية الأميركية، ما سيزيد الضغوط على البلدان المرتبطة بالدولار لرفع أسعار الفائدة. والعنصر الآخر هو الارتخاء الشديد الموجود في سياسات المصارف المركزية الأوروبية واليابانية، والذي يحدّ من قدرة الأسواق الناشئة على المنافسة. الآن، تتعارض السياسات النقدية في الدول الرئيسة. فعلى رغم انخفاض أسعار النفط، ستبقى دول الخليج مرتبطة بالولاياتالمتحدة وسترفع معدلات الفائدة. أما في آسيا، مع الأخذ في الاعتبار التحركات الاقتصادية الحالية، فستتبع المصارف المركزية الآسيوية عن كثب السياسة النقدية في أوروبا واليابان إلى أقصى حدّ ممكن.