أبقت البنوك المركزية منذ الأزمة المالية العالمية عامَي 2007 و2008، سياساتها النقدية متساهلة في شكل كبير، خصوصاً في الاقتصادات المتقدمة، لتدعم تعافيها البطيء. ووظفت أداتين رئيستين للسياسة النقدية، الأولى إبقاء أسعار الفائدة منخفضة، والثانية شراء أصول مثل السندات، ما يؤدي إلى زيادة الطلب عليها وبالتالي ارتفاع أسعارها وانخفاض عائداتها. وأشار الخبير الاقتصادي في شركة «آسيا للاستثمار» كميل عقاد في تقرير، إلى أن «البنوك المركزية لدول مجموعة الثلاث، الولاياتالمتحدة ومنطقة اليورو واليابان، خفضت أسعار الفائدة إلى مستويات تقترب من الصفر، في حين يضخ كل من مجلس الاحتياط الفيديرالي والبنك المركزي الياباني السيولة من خلال برامج شراء الأصول، وقد يتبعهم البنك المركزي الأوروبي قريباً في هذه الخطوة». ولفت إلى أن «النتيجة النهائية ستكون بيئة من أسعار الفائدة المنخفضة في السوق، ونظراً إلى الروابط المالية والتجارية العالمية القوية، استفادت الاقتصادات الناشئة أيضاً من هذه الأسعار المنخفضة». وأكد أن «مؤشرات أسعار بنك أوف أميركا ميريل لينش (BAML) تثبت الأسعار المنخفضة في شكل قياسي، وتتبع الطلب على السندات، وتزيد عند ارتفاع الطلب والأسعار. ولأن السندات تقدم دفعات ثابتة، فارتفاع الأسعار يعني انخفاض العائدات، أو أسعار الفائدة، التي تقدمها تلك السندات». وأشار العقاد إلى «ارتفاع مؤشر بنك أوف أميركا ميريل لينش لأسعار السندات السيادية لاقتصادات مجموعة السبع، أي الولاياتالمتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا واليابان، في شكل ملحوظ منذ الأزمة، وبسبب العلاقة العكسية بين أسعار السندات وعائداتها، فالزيادة التدريجية في أسعار السندات تعني تراجع العائدات وأسعار الفائدة في مجموعة السبع». وأوضح أن «الأسواق أظهرت اهتماماً متزايداً بالسندات السيادية الأكثر أماناً بطبيعتها، فمنذ الأزمة المالية العالمية زادت قيمة سندات مجموعة السبع أكثر من 30 في المئة، كما اضطرت دول مجلس التعاون الخليجي إلى إبقاء أسعار الفائدة منخفضة، إذ إن عملات معظم هذه الدول مرتبطة بالدولار». وعلى رغم ارتفاع نسبي لأسعار الفائدة التي تحددها البنوك المركزية، وغياب أي برنامج لشراء الأصول، انخفضت أسعار الفائدة في الأسواق الناشئة، إذ وفق «بنك أوف أميركا» كان للسندات السيادية في الأسواق الناشئة تحرّك مشابه للسندات السيادية في الاقتصادات المتقدمة، وزادت أسعار السندات السيادية في الأسواق الناشئة بأكثر من 60 في المئة منذ منتصف عام 2007. وتفوقت آسيا الناشئة على الاقتصادات الناشئة الأخرى، إذ زادت قيمة السندات بنحو 80 في المئة خلال تلك الفترة، ما يعتبر أمراً إيجابياً بالنسبة للاقتصاد العالمي، إذ يشير إلى أن المقرضين لصناديق السيادية في الأسواق الناشئة، وخصوصاً الحكومات الآسيوية، يثقون بأن أموالهم ستُحصّل. وأضاف العقاد «انخفاض أسعار الفائدة للسندات السيادية يعني أن توقعات التضخم لا تزال منخفضة، فالمقرضون مستعدون لتلقي أسعار فائدة منخفضة على ديونهم الطويلة الأجل لأنهم لا يتوقعون أن يرتفع التضخم، ما يقلص مكاسبهم من أسعار الفائدة، في الوقت القريب». وعزا التوقعات المنخفضة للتضخم إلى بيئة النمو التي لا تبلغ إمكاناتها، ما اضطر البنوك المركزية إلى شراء مزيد من الأصول لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة. وفي هذا السياق، يشكل التضخم خطراً كبيراً، فإذا ما بدأ بالارتفاع مجدداً، في وقت تستمر الاقتصادات في النمو البطيء، يمكن للزيادة الطبيعية في أسعار الفائدة أن تضعف النمو الاقتصادي البطيء، وهذا السيناريو مطروح في حال ارتفعت أسعار الطاقة أو المنتجات الزراعية لغير سبب. وعلى رغم ضآلة فرص مثل هذا السيناريو، إلا أن هناك احتمالات لارتفاع التضخم في وقت أبكر من المتوقع، ما قد يجبر البنوك المركزية على خفض برامجها للتيسير النقدي، ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار الفائدة وتقليص الناتج العالمي. واختتم العقاد بأن «أسعار الفائدة العالية قد تضر بالاقتصاد العالمي، فالأسواق الناشئة قد تعاني، لأن معدلات الفائدة العالية في الولاياتالمتحدة من شأنها أن تجعل العائدات في الأسواق الناشئة أقل جاذبية، ما يضطر البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة لمنع هروب التدفقات المالية خارج البلاد». وأضاف «الولاياتالمتحدة ستتأثر أيضاً، فالطلب على القروض العقارية سينخفض، ما يؤثر في قطاع الإسكان، أحد القطاعات الأكثر مرونة التي تدفع النمو في الولاياتالمتحدة». وتظهر بالفعل بعض علامات التباطؤ، ما يجب أن يدفع بمجلس الاحتياط الفيديرالي إلى تخفيف وتيرة خفض برنامج شراء الأصول أو وقفها. وستبقى أسعار الفائدة متدنية لبعض الوقت، فالعالم لا يملك القوة الكافية للصمود من دون تدنّيها.