تلتقط العيون إعلانات الوظائف الشاغرة في القطاعات والمؤسسات الخاصة تلك التي تُرْسَم بالمسطرة، وتفصل بالمقاس على «البذلة» القادمة ولن أقول الثوب المسكين! يشترط لهذه الوظائف خبرة محددة بالعام وربما الثانية والدقيقة، وتوضع معها معايير صارمة، وكأن المؤسسة أو القطاع مقبلان على تغيير الواقع والإتيان بما لم تأتِ به الأوائل. من جهتي، أقرأ هذه الاشتراطات وكأنها إرضاء لعين الرقيب والمسؤول الذي يمر على القشور، ويقلب الصفحة سريعاً بمجرد أن يلمح أنه في أعلى الإعلان مكتوب بالخط العريض المائل «الأفضلية للسعوديين». أحيي في أصحاب هذه الإعلانات سبقهم للتعامل الإلكتروني، إذ يكتفون مشكورين بأوراق المتقدمين أن تكون مرسلة عن طريق الفاكس أو عبر البريد الإلكتروني، وهذه إيجابية مثمنة لهم وقد تكون الوحيدة في ظل الاشتراطات الموضوعة على المقاس، كما نضع بلاطة ناقصة في مكانها المنتظر في ممر مشاة، فنختارها بعناية ونشترط أن تكون مربعة وطازجة من المصنع وبمقاساتها التي لا يسمح أن تُتَجاوَز؛ لئلا يتشوه المنظر الجمالي، بعد كل هذا نحبذ ونؤيد ونفضل أن يكون المصنع محلياً معترفاً به. أصدقكم القول إن هذه الإعلانات هدر علني للأحبار وملء مكشوف لخانات ومساحات من الأفضل أن تستغل حتى ولو بخبر عن مواليد قادمين أو أموات ذاهبين. ما موقف شاب ينتظر نصف وظيفة ليرفع رأسه قليلاً للأعلى ويدخل يده اليمنى بثقة في جيبه فيخرج ريالات من عرق جبينه وهو يمر على هذا التحدي؟ ما موقفه حين يقلب في هذه المربعات الساحرة وتفتنه الأفضلية الشبيهة بفص ملح يذوب سريعاً مع أول شرط، وقبل إرسال أي فاكس أو بريد؟ أي وهم يوزعون في هذه الزوايا والأركان؟ وماذا نسمي هذا الاستعراض لجسد لا يحب أن يلبس إلا النوع نفسه من الملبس وتسريحة معينة مشروطة بقدرات وإمكانات تشرح للمطلع عليها أننا بصدد عمل جبار، ومجهود خرافي لا يحتمل المجاملة أو التلاعب ولا يضبطه إلا شروط من التي مررت عليها سريعاً جاداً لا مازحاً؟ أُفضّل أن تخفي هذه القطاعات وظائفها، وتمنحها لمن تريد من دون تمرير الاشتراطات وعرض المقاسات المضبوطة، لا أن تتلاعب بمشاعر أو نفسيات الضعفاء، هي وللحق مؤسسات لبيع الوهم وادعاء الجدية ودعم مشاريع السعودة في الظاهر، إنما تنام في باطنها أوراق تحدي الشباب وإبعادهم عن شرف التجربة وإقصائهم من حقهم في أي وظيفة متاحة، لكن بطريقة لا يعاقب عليها القانون أو لم يشاهدها أو يتنبه لها، بل يصفق لها؛ لأن المرور المبكر السريع على فتنتها الإعلانية كان بحضور أدوات الزينة وإغراء الألوان وجدية العرض عبر نص الأفضلية. من أين يأتي شاب مجتهد بخبرة خمس أو أربع سنوات وكل الوظائف المتاحة له كمتقدم سعودي مفضل تشترط أولاً أن تكون لديه خبرة كافية؟ ارحموا العقول قليلاً أيها المتعَبون والمُوجَعون «بالسعودة»، وامسحوا عنوانكم «الأفضلية للسعوديين»، استبدلوه بالأفضلية للمستحقين أو الأصدقاء أو المعارف أو «أي أحد» وأعلنوا عن وظائفكم بلا إشارة لسعودة، وان أُجبرتم فاكتبوا ملحوظة صغيرة في الزاوية نصها: «يوجد لدينا بيع مجاني للخبرات شريطة أن تكون هناك خبرات سابقة»! [email protected]