لم تسجل «هيئة الحوار الوطني» اللبناني في جلستها أمس برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، أي تقدم في خصوص الاستراتيجية الوطنية الدفاعية لحماية لبنان والدفاع عنه في وجه التهديدات الإسرائيلية، لكنها لم تخل من تأزم وتوتر. وبقي الاختلاف في الموقف من سلاح «حزب الله» محكوماً بوجهتي نظر، واحدة تدعو الى سحبه من التداول باعتبار أن لا خيار أمام لبنان إلا المقاومة، وثانية تتمسك بموقفها بإدراجه على طاولة الحوار، في مقابل تأكيد معظم الذين تحدثوا في الجلسة تمسكهم بإجماع مؤتمر الحوار في جلسته الأولى برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري في آذار (مارس) 2006 على جمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وتنظيمه في داخلها. وتقرر استئناف الحوار في الثالث من حزيران (يونيو) المقبل أي بعد الانتهاء من إجراء الانتخابات البلدية. وتقرر أيضاً بحسب البيان الصادر في نهاية الاجتماع وبناء لتوافق المتحاورين، «الالتزام بنهج التهدئة السياسية والإعلامية»، وهذا ما دفع معظمهم الى الامتناع عن كشف ما دار من مداولات في الجلسة علماً أن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط تقدم بمداخلة وصفت بأنها هادئة وموضوعية سواء بخصوص سلاح المقاومة أم بشأن إجماع الحوار على جمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، لافتاً الى ضرورة إيلاء الحقوق المدنية الفلسطينية في لبنان كل اهتمام للتخفيف من الوضع المتردي والمزري في المخيمات، وبما يدفع باتجاه التهدئة في داخلها وعدم لجوء البعض الى استغلال الوضع لنشر الفوضى بين المخيمات وجوارها. إلا أن التزام أطراف الحوار بالتهدئة لم يمنع تسجيل أبرز ما دار في الجلسة من حوار تراوح بين المرونة حيناً والتصعيد حيناً آخر، في جلسة أفاض بري في الحديث فيها، إذ استغرقت مداخلته عن الاستراتيجية الدفاعية أكثر من ساعة ونصف الساعة، أي ما يزيد عن نصف الوقت الذي استغرقته. وكان سليمان افتتح الجلسة في مداخلة قصيرة تحدث فيها عن الأخطار الإسرائيلية التي ما زالت تهدد لبنان في ضوء إمعان إسرائيل في خروقها الجوية والبرية لأجوائه وأراضيه وعن أهمية الحوار وضرورة التقيد بجدول أعماله. ثم تحدث بري مطولاً في محاولة جادة منه لتنفيس أجواء الاحتقان، وهو كان أشار لدى وصوله الى بعبدا الى أن الأجواء متوترة وأنه سيعمل على تنفيسها، متوقفاً أمام مسلسل الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان منذ اغتصاب إسرائيل دولة فلسطين، ومنبهاً من «الأخطار الإسرائيلية وأطماعها في أرضنا ومياهنا ونفطنا». وبطبيعة الحال، فإن معظم المتحدثين تناول التهديدات الإسرائيلية الأخيرة للبنان من زاوية تركيز تل أبيب على أن «حزب الله» استقدم صواريخ جديدة من نوع «سكود». واعتبر رئيس الحكومة السابق، رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة في مداخلته أن تزامن الكلام الإسرائيلي عن الصواريخ قبل ساعات من عقد طاولة الحوار «يثير الريبة ويدفع الى التوجس من أهداف العدو والتنبه من الفخ الذي تحاول إسرائيل أن تنصبه لنا للصيد في المياه العكرة اللبنانية»، مؤكداً في الوقت ذاته أن المقاومة «رد فعل طبيعي على الاحتلال»، وداعياً الى التضامن العربي للضغط على إسرائيل بكل الوسائل. واعترف السنيورة في مداخلته «بأننا نحن هنا على تباين لكن لا أرى غير أسلوب الحوار طريقاً لإيجاد الحلول وإلا ذهبنا الى الفشل ووقعنا في المصيدة الإسرائيلية»، مؤكداً أن عبارة «الجيش والشعب والمقاومة» وردت في البيان الوزاري لأول حكومة بعد اتفاق الدوحة، «وبالتالي ليست عبارة جديدة عليّ لكنها لم تطرح للنقاش في جلسة الحوار الماضية». واعتبر عدد من المشاركين في الحوار أن كلام السنيورة بهذا الخصوص يأتي للرد على الذين اتهموه بأنه كان وراء شطب «عبارة الشعب والجيش والمقاومة» من البيان السابق للحوار، مع أن الوزير سليمان فرنجية عاد وأثار أمس هذه النقطة متحاملاً على السنيورة من دون أن يسميه ومجدداً كلامه عن المتعاملين مع إسرائيل وغامزاً من قناة نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري من دون أن يسميه على قوله في السابق عن العلاقة بين «الجارين» بدلاً من استخدامه عبارة «الشقيقين». وحاول مكاري الرد لكن رئيس الجمهورية أعطى الكلام لجنبلاط ومن ثم للرئيس أمين الجميل ما أوحى بأنه لا يريد فتح أي سجال في مواضيع من خارج جدول الأعمال. وتحدث أيضاً النائب طلال أرسلان عارضاً تصور حزبه (الديموقراطي اللبناني) للاستراتيجية الدفاعية وعنوانها التلازم بين الجيش والمقاومة في حماية لبنان والتصدي للاعتداءات الإسرائيلية، وتبعه أيضاً رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي جدد تأكيد ثوابته في مسألة الحوار حول سلاح «حزب الله»، مستغرباً تهديد البعض بالانسحاب من الجلسة في حال طرح على الطاولة في إشارة الى موقف لرئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد عون كان أعلنه الثلثاء الماضي. واعتبر عون في مداخلته ان «لا خيار أمامنا سوى المقاومة». إلا أن الجديد في الحوار أمس، وكما علمت «الحياة» من أحد أركان الحوار رفض ذكر اسمه، كان في موقف لافت لرئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الذي لوّح بإعادة النظر بحضور جلسات الحوار في حال أصر البعض على الكلام عن سلاح «حزب الله» أو المقاومة من دون أن يقرنه بالاستراتيجية الدفاعية. وبالنسبة الى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، أكد العضو نفسه أنه تحدث بلهجة رغب من خلالها أولاً باستيعاب التوتر وتنفيس الأجواء المشدودة ومن ثم التأكيد أن سلاح المقاومة هو مدار بحث على طاولة الحوار بتأييد جميع المشاركين فيه. وشدد الحريري على أهمية التهدئة في ظل الظروف الراهنة «التي تستدعي منا التنبه لمواجهة التهديدات الإسرائيلية»، وسأل: «كيف يطلب البعض عدم التطرق الى الموضوع الذي يعتبر نفسه معنياً به مباشرة بينما يجيز البعض الآخر لنفسه بشن حملاته الإعلامية والسياسية على الآخرين من دون استثناء وصولاً أحياناً الى التخوين وإلصاق التهم التي فيها الكثير من التجني». ورأى أن التهدئة مطلوبة من الجميع بلا استثناء وعلى المستويات كافة. على صعيد آخر، سجل اليومان الأخيران حصول أكثر من اتصال بين الرئيس الحريري ونظيره السوري محمد ناجي عطري وذلك في إطار التحضير لزيارة وفد من المديرين العامين والخبراء اللبنانيين الى دمشق للقاء نظرائهم السوريين. وبنتيجة الاتصالات أتفق عاى ان يتوجه الوفد اللبناني ال ى العاصمة السورية الاثنين المقبل لإجراء مراجعة مشتركة للاتفاقات اللبنانية – السورية المعقودة بين البلدين بموجب معاهدة الأخوة والتنسيق والتعاون. وعلمت «الحياة» أن التواصل المكثف بين الحريري وعطري الذي هو الأول من نوعه بينهما منذ الزيارة الأولى لرئيس الحكومة اللبنانية لدمشق في 18 كانون الأول (ديسمبر) الماضي واجتماعه بالرئيس السوري بشار الأسد، اتسم بالإيجابية والرغبة المشتركة في تطوير وتعزيز التعاون في المجالات كافة. يذكر أن جنبلاط يتوجه اليوم الى دمشق ومعه وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي في زيارة قصيرة يلتقي خلالها معاون نائب رئيس الجمهورية السورية اللواء محمد ناصيف (أبو وائل) الذي كان كلفه الرئيس الأسد عندما التقى رئيس «التقدمي» في 31 آذار (مارس) الماضي بمتابعة ملف العلاقة بين الطرفين والتواصل لهذا الغرض مع الوزير العريضي.