زاد الحديث في مصر عن «دور» للأجهزة الأمنية في الحياة السياسية في مصر، خصوصاً بعد أن وضعت الانتخابات البرلمانية أوزارها، وبدأت القوى والأحزاب في تشكيل تكتلات داخل مجلس النواب الجديد الذي يُرجح أن يعقد أولى جلساته في 10 كانون الثاني (يناير) المقبل، بحسب وزير الشؤون القانونية مجدي العجاتي. بدأت الهمهمات عن «تدخل» أمني في العمل السياسي مع إعلان اللواء السابق في الاستخبارات سامح سيف اليزل تشكيل قائمة لخوض انتخابات البرلمان، تمكنت من حصد كل المقاعد المخصصة لنظام القائمة، وعددها 120 مقعداً، وفي حينها اتهمت شخصيات لم تلتحق بتلك القائمة الأجهزةَ الأمنية بدعمها. وبعد انتهاء الانتخابات، شكل سيف اليزل «ائتلاف دعم مصر» الذي ضم أحزاباً ومستقلين، بينهم غالبية القيادات الأمنية السابقة التي فازت في الانتخابات. وقال برلماني علناً إنه انضم للائتلاف بعد أن تلقى اتصالاً من جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً) يطالبه بالانضمام، ما رسخ الاعتقاد بأن أجهزة أمنية تدفع إلى تشكيل هذا الائتلاف، من أجل ضمان أغلبية حاكمة داخل البرلمان تُسهل مهمة الحُكم وتضمن أن تكون للرئاسة اليد الطولى في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، في ظل استحقاقات دستورية عظمت من اختصاصات البرلمان الجديد مقارنة بالبرلمانات السابقة. لكن، بخلاف انتماء بعض اللاعبين البارزين في البرلمان الجديد إلى أجهزة أمنية سابقاً، تبقى الأدلة على هذا الدور المزعوم للأجهزة الأمنية في نطاق التكهنات والاستنتاجات وتصريحات السياسيين، ومن بينها تصريح لرئيس حزب «مستقبل وطن» محمد بدران، الذي حل حزبه الجديد المحسوب على أجهزة رسمية، في المرتبة الثانية في البرلمان، قال فيه مُبرراً قرار الانسحاب من «ائتلاف دعم مصر»، إن الحزب دخله مرغماً وخرج منه بإرادته، قبل أن يعود مرة أخرى وينضم إلى الائتلاف. وجاهر سياسيون بعد إعلان وزارة الداخلية إجراء حركة تغييرات واسعة في جهاز الأمن الوطني، باتهامات بأن الائتلاف تم تشكيله بإدارة الجهاز، وهو ما ألمح إليه مؤسس حزب «المصريين الأحرار» صاحب الكتلة النيابية الأكبر نجيب ساويرس، والنائب توفيق عكاشة الذي قال إن «الأمن الوطني والاستخبارات يديران الحياة السياسية». وعكاشة المثير للجدل والطامح في رئاسة البرلمان من أشد المنتقدين ل «ائتلاف دعم مصر» ولاقتراح تعيين الرئيس السابق عدلي منصور في البرلمان تمهيداً لرئاسته، وهو شن حملة ضارية ضد الأجهزة الأمنية في أعقاب لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي ومنصور، وهو اللقاء الذي بدا محاولة من السيسي لإقناع منصور، وهو رئيس للمحكمة الدستورية العليا، بقبول التعيين في البرلمان. لكن الناطق باسم المحكمة الدستورية العليا رجب سليم قال إن منصور ينفي ما نُشر عن قبوله التعيين في مجلس النواب. وأضاف أن منصور «أكد رفضه التعيين في المجلس». وبعد حوار تلفزيوني مثير لعكاشة الذي كان مقرباً من قيادات عسكرية وأمنية، أصدرت المنطقة الإعلامية الحرة التابعة للهيئة العامة للاستثمار قراراً بوقف برنامجه ستة شهور، وطلبت من الفضائيات المنضوية في «غرفة صناعة الإعلام المرئي والمسموع» البحث في حظر ظهوره على شاشاتها. ويضم جهاز الأمن الوطني إدارة خاصة بالأحزاب السياسية، لكن وكيل الجهاز السابق خالد عكاشة قال ل «الحياة» إن تلك الإدارة لا علاقة لها بالعمل السياسي داخل الأحزاب، وإنما تهتم بالشق الأمني. وأضاف: «تتابع الإدارة الأحزاب من الناحية الأمنية وليس من الناحية السياسية، بمعنى هل للحزب علاقات بأجهزة أجنبية، وهل لقادتها أي علاقات مشبوهة بدول أجنبية». ورأى أن «الأمن أثبت أنه يعمل في شكل مهني في تنفيذ الانتخابات وتنظيمها، ما مثّل نقلة نوعية كبيرة. أما الزوابع التي أثيرت في ما بعد عن دفع بعض المرشحين إلى الانضمام لقوائم بعينها أو ائتلافات بعينها أراها عارية من الصحة ولا أدلة عليها، واعتبرها نوعاً من المناورات السياسية». وأضاف أن «التحولات السياسية السريعة في مواقف الأحزاب والخلافات بينها أكبر دليل على أنه لا توجد قوة فوقية متحكمة في تلك التكتلات أو الأحزاب. الجدل السياسي الدائر حالياً يؤكد أن لا دخل للأمن في هذه الأمور». واستغرب الانزعاج من محاولة اللواء سامح سيف اليزل تشكيل ائتلاف نيابي. وقال: «هذا أمر غير مزعج، وتلك هي الممارسة السياسية الطبيعية التي لم نعتدها من قبل، ولذلك يستغربها بعضهم، لأننا لا نملك تراثاً كبيراً في مسألة التعددية السياسة والحياة البرلمانية الحقيقية». لكن عكاشة لم يستبعد «حدوث بعض الأخطاء» من أجهزة أمنية. وقال: «نحن لا نعيش في الجنة. يُمكن أن تكون هناك هنات أو أخطاء، لكنها ليست توجهاً عاماً، وأعتقد أنها ستصلح نفسها مع الوقت». لكن الخبير في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» وحيد عبدالمجيد يُخالف عكاشة الرأي. وقال عبدالمجيد ل «الحياة»: «الأمن له دور كبير في الحياة السياسية منذ 60 عاماً، لكن حجم دوره زاد وتضخم في المرحلة الراهنة عما كان عليه من قبل». وأضاف أن «دور الأمن في الحياة السياسية كبير طوال الوقت، لأنه عندما تغيب السياسة يحدث فراغ تملأه الأجهزة الأمنية التي تُعتبر محركاً رئيساً للحياة السياسية». وشدد على أن «دور الأمن في العمل السياسي ليس جديداً، لكنه تضخم في الفترة الحالية لأن الفراغ السياسي أصبح أكبر، وهناك علاقة طردية بين مساحة الفراغ السياسي ومساحة دور الأمن في الحياة السياسية، فكلما زاد الفراغ السياسي تعاظم دور الأمن».