لم تعدل، الى اليوم، أبرز أحزاب المعارضة السودانية عن الانسحاب من السباق الانتخابي، على رغم تدخل المبعوث الأميركي الى الخرطوم، سكوت ايشن، وطلبه من الأحزاب المشاركة في الانتخابات. وأعلنت هذه مقاطعتها الانتخابات مقاطعة جزئية. وانسحب أبرز منافسي البشير، ياسر عرمان، مرشح «حركة الشعبية» الجنوبية السودانية، من الانتخابات. وتقاطع الحركة، وهي أبصرت النور من رحم الحرب الطويلة بين الشمال المسلم العربي والجنوب المسيحي والإحيائي، الانتخابات في دارفور جراء «استحالة» المشاركة في عملية انتخابية تنهشها عمليات التزوير. وخطوة أحزاب المعارضة السودانية تقوض مساعي المجتمع الدولي الذي حمل الحكومة السودانية على تنظيم الانتخابات وإبرام اتفاق سلام، في 2005. ولم ينظر الطرفان المتقاتلان بعين الرضا الى الاتفاق. وبذل المجتمع الدولي مساعدات بملايين الدولارات لتنظيم عملية الانتخابات الأكثر تعقيداً في افريقيا لانتخاب الرئيس، والمجالس المحلية والإدارات المحلية في حكومة جنوب السودان الشبه المستقلة، منذ انتخابات جمهورية الكونغو الديموقراطية في 2006. ويقع الناخبون في الجنوب السوداني، ومعظمهم أميون، في حيرة انتخاب ممثليهم من لائحة كبيرة من المرشحين الى مناصب مختلفة. وأبرز السباق الانتخابي اختلاف أهداف الأحزاب. فالرئيس البشير يرى أن تنظيم الانتخابات ذريعة لا غنى عنها الى حيازة تأييد شعبي يعينه على مواجهة المحكمة الجنائية الدولية. وهذه تسعى الى القبض عليه بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتتهمه بالوقوف وراء اعمال ابادة في دارفور. وعين الحركة الشعبية على الاستفتاء على انفصال الجنوب عن الشمال، المتوقع في العام المقبل. وتسعى بقية الأحزاب السياسية الى توحيد جهودها لإطاحة البشير وحزبه. ولكن معظم المراقبين يرون أن عملية الانتخابات هذه تفتقر الى الشفافية، وهي انتخابات «غير حرة ولا عادلة». وشأن المعارضة السودانية، أخذ المراقبون الدوليون على الحكومة السودانية ولجنة الانتخابات ارتكاب انتهاكات وتجاوزات. واتُهم الحزب الحاكم بقمع المعارضين وترهيبهم، واحتكار وسائل الإعلام، والتلاعب بصناديق الاقتراع. وفي الشهر الماضي، بادر بعض المراقبين الى الدعوة الى تأجيل الانتخابات. فلوح الرئيس البشير ب «قطع أصابع» المراقبين الأجانب، إذا تدخلوا في الشؤون السودانية. وتتناول أوساط الأحزاب السياسية الصغيرة صفقة ابرمها البشير مع الحركة الشعبية. فمقاطعة الانتخابات جزئياً تفسح المجال أمام اعادة انتخاب البشير رئيساً لقاء تعهده اجراء الاستفتاء العام المقبل. وفي الأعوام الأخيرة، تبوأ السودان صدارة الأخبار الدولية جراء معاناة اهالي دارفور، غرب السودان. ولكن نيران النزاع الخامد تحت الرماد تشتعل في وسطه الغني بالنفط. وأفظع فصول المعارك دارت في المنطقة هذه، خلال الحرب الأهلية. وتذهب الحركة الشعبية الى أن حقول النفط هي عمود دولة الجنوب المقبلة الفقري الاقتصادي. وتزوير الانتخابات قد يشعل فتيل العنف. ولكن ارجاء الاستفتاء على استقلال الجنوب، أو عرقلته، الى العام المقبل قد يبعث الحرب الأهلية من سباتها. * مراسل، عن «اندبندنت» البريطانية، 2/4/2010، إعداد منال نحاس