"سلمان للإغاثة" يوزع 2.459 كرتون تمر في مديرية الوادي بمحافظة مأرب    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعا صحيا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    فقيه للرعاية الصحية تحقق 195.3 مليون ريال صافي ربح في أول 9 أشهر من 2024 بنسبة نمو 49%    القبض على يمني لتهريبه (170) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    حاكم الشارقة يفتتح الدورة ال 43 من معرض الشارقةالدولي للكتاب    البنك الأهلي السعودي يطلق محفظة تمويلية بقيمة 3 مليارات ريال خلال بيبان24    الأمير محمد بن عبدالعزيز يدشّن فعاليات مهرجان شتاء جازان 2025    بانسجام عالمي.. السعودية ملتقىً حيويًا لكل المقيمين فيها    إيلون ماسك يحصل على "مفتاح البيت الأبيض" كيف سيستفيد من نفوذه؟    "البحر الأحمر السينمائي الدولي" يكشف عن أفلام "روائع عربية" للعام 2024    "ماونتن ڤيو " المصرية تدخل السوق العقاري السعودي بالشراكة مع "مايا العقارية ".. وتستعد لإطلاق أول مشاريعها في الرياض    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير منطقة الباحة يستقبل الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للأرصاد    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    محافظ جدة يشرف أفراح آل بابلغوم وآل ناصر    «الإحصاء»: ارتفاع عدد ركاب السكك الحديدية 33% والنقل العام 176%    السعودية بصدد إطلاق مبادرة للذكاء الاصطناعي ب 100 مليار دولار    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    الذهب يقترب من أدنى مستوى في أكثر من 3 أسابيع    إصابة فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحام بلدة اليامون    العام الثقافي السعودي الصيني 2025    المريد ماذا يريد؟    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    ترمب.. صيّاد الفرص الضائعة!    ترمب.. ولاية ثانية مختلفة    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    قصص مرعبة بسبب المقالي الهوائية تثير قلق بريطانيا    صمت وحزن في معسكر هاريس.. وتبخر حلم الديمقراطيين    «البيئة» تحذّر من بيع مخططات على الأراضي الزراعية    الاتحاد يصطدم بالعروبة.. والشباب يتحدى الخلود    هل يظهر سعود للمرة الثالثة في «الدوري الأوروبي» ؟    «بنان».. سفير ثقافي لحِرف الأجداد    اللسان العربي في خطر    الإصابات تضرب مفاصل «الفرسان» قبل مواجهة ضمك    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الإصابة تغيب نيمار شهرين    التعاون يتغلب على ألتين أسير    الدراما والواقع    يتحدث بطلاقة    سيادة القانون ركيزة أساسية لازدهار الدول    التعاطي مع الواقع    درّاجات إسعافية تُنقذ حياة سبعيني    العين الإماراتي يقيل كريسبو    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«شجون الدار البيضاء» لعبداللطيف اللعبي ... للوطن والمنفى صقيع واحد
نشر في الحياة يوم 06 - 04 - 2010

يستعيد الشاعر المغربي في مجموعته «شجون الدار البيضاء» ملامح ذلك الشخص الذي كان في طفولته وصباه الأول قبل أن تحمله الحاجة ونداءات الحياة الملحة إلى منفاه الطوعي الفرنسي، شأنه في ذلك شأن مئات الآلاف من مواطنيه. وإذا كانت المجموعة التي نقلتها إلى العربية الشاعرة السورية عائشة ارناؤوط لا تضم بين دفتيها سوى قصيدتين اثنتين هما «شجون الدار البيضاء» و «أي منفى منفاك» فإن القصيدتين تبدوان في العمق قصيدة طويلة واحدة تعتمد على التذكر والاسترجاع والحنين إلى تلك الأماكن الملتصقة كالوشم في جلد الروح. وعلى رغم أن تجربة اللعبي في بلاده لم تكن وردية بالكامل بل كانت مثقلة بأعباء النضال السياسي وما استتبعها من تعرض متكرر للملاحقة والاعتقال والسجن فإن ما يرشح عن الكتابة هو أقرب إلى الضيق المتعاظم من المنفى والرغبة في استعادة ذلك الحيز من العالم الذي لا نختاره طوعاً بل يتحول منذ ولادتنا إلى قدر لا يرد.
قد لا يكون من قبيل المصادفة المحضة تبعاً لذلك أن يهدي الشاعر مجموعته الشعرية إلى ذكرى أبيه الراحل، فالأب هنا ليس سوى التجسيد الرمزي لمعنى الوطن وبخاصة في العالم الثالث حيث لا يحول الحضور الذكوري الاستبدادي للأب، كما للسلطة السياسية، دون التعلق العاطفي بالوطن وأهله. صحيح أن عبارة «الوطن الأم» هي الغالبة دائماً على مسقط الرأس كما على اللغة وأن البعد الأمومي للأوطان يحمل مذاقاً أكثر صلة بالرقة والعاطفة الخالصة ولكن اختلاط الأبوة بالقسوة والاستحواذ لا يبعد عنها شبهة العاطفة بأي حال بخاصة أن ما يصدر عنها لا ينجم عن الكراهية والرغبة في الايذاء بل عن حب حقيقي يترجم نفسه بأشكال شديدة الإلتباس.
ومع أن الشاعر يعبر في بعض المقاطع عن تبرمه من الواقع الذي كان يرزح تحته قبل اضطراره إلى الرحيل، كقوله: «لن تكون بلاداً / تلك التي علينا تعلمها في المدارس / في الثكنات / في السجون / ونحن نرتعد خوفاً من أن نخطئ البلاد» إلا أن ذلك لم يمنعه في النهاية من تليين لهجته والانتقال في مخاطبة البلاد من الاحتجاج الساخط إلى العتاب الرقيق: «أيتها البلاد التي تستبعدني / وتبعدني / اتركيني على الأقل أبحث عنك».
لا يملك قارئ عبداللطيف اللعبي سوى أن يتذكر أثناء القراءة تلك التجارب المرّة التي كتبها شعراء وروائيون عاشوا تجارب مماثلة في منافيهم الكثيرة. إذ ثمة في هذه الكتابات، كما عند الطاهر بن جلون وواسيني الأعرج وآخرين، تمزق واضح بين الاحتجاج على فظاظة الوطن وقسوته وبين الاحتجاج المماثل والأشد مرارة على صقيع المنفى وجحيم الغربة. وحتى لو شكلت الكتابة بحد ذاتها نوعاً من المخرج الملائم لمأزق الشاعر والكاتب في غربته فإن شيئاً في العالم لا يمكن أن يزحزح ذلك الإحساس بالخواء والتيه والتلاشي الذي يجثم على صدر الإنسان المنفي أو يقبع في ظلمات رأسه. وهو ما يعبر عنه اللعبي في شكل واضح بقوله: «في مدينة الإسمنت والملح / مغارتي من الورق / لدي مؤونتي من الأقلام / ومما أعد به القهوة / أفكاري بلا ظل / بلا رائحة / وجسدي قد تلاشى / لم يعد هنالك سوى رأسي / في مغارة الورق هذه».
على رغم طول القصيدة المفرط في مجموعة عبداللطيف اللعبي فإن المرء لا يشعر بالملل أو الإطناب الزائد في الكلام ربما لأن التقنية التي اختارها الشاعر هي تقسيم القصيدة إلى مقاطع منفصلة تقريباً، من دون أن يعني انفصالها تفككاً في أوصال القصيدة أو تشتتاً في مضمونها، لا بل إن العمل برمته مكتوب تحت درجة واحدة من التوتر والحساسية. ومع ذلك فإن كل مقطع من المقاطع يخلق حول فكرة أو صورة أو خاطرة يمكن لها أن تقرأ على حدة بوصفها زفرة أو حكمة أو مثلاً سائراً يستشهد به. فنحن نقرأ في بعض الأحيان مثل هذا القول: «البلدان تتعادل الآن في الشراسة»، أو مثل «غريب اسمك عندما يلفظه الآخرون / إلا أنه أكثر غرابة عندما تلفظه أنت»، أو «حتى الشقاء يدرك نهايته / إن لم تعاند في بحثك عن السعادة». ذلك أن الشاعر يعرف باستمرار كيف يخرج من الآني باتجاه الدائم وغير المحدود، ومن الحسّي باتجاه المجرد، ومن الشخصي باتجاه الإنساني والشامل. وهو يبدو كمن أدركته الحكمة بعد الكثير من المحن والتجارب فيقدم عبر شعره خلاصات أخيرة حول الحب والكراهية والزمن والوطن والموت والمنفى والتذكر والنسيان.
لا تبدو الكتابة عند عبداللطيف اللعبي نحتاً مجرداً في صخور اللغة أو استدراجاً للشعر إلى خانة الفكر البارد أو الفلسفة الملغزة بقدر ما هي استثمار تلقائي، ولكن يحذق، لما يعتمل في داخل الروح من حرائق وتناقضات وصدوع مؤلمة. وهو إذ يسبر أغوار المعاني العميقة ويقارب الاشكاليات الوجودية والحياتية والمعرفية يحاول أن يبعدها عن مصدرها العقلاني البحت ليضرم تحتها نار الصدق والعاطفة والأسئلة ذات الإجابات المعلقة: «على ما يبدو أن باب الجحيم يجاور باب الفردوس / صنعهما النجار الأكبر من الخشب العادي نفسه / الرسام الأعظم طلاهما بلون واحد / فكيف نميز بينهما في هذه الظلمات؟».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.