أحلام استعادة أمجاد «الدولة العظمى» ما زالت تداعب الروس، وتطل برأسها عند كل حدث كبير، أو تطور لافت يؤكده خطاب ناري للرئيس فلاديمير بوتين من على منصة الأممالمتحدة، أو يرافق إطلاق صاروخٍ عابر للقارات. هذه المرة، روسيا «عظمى» لأنها تحدت الغرب وأرسلت طائراتها وسفنها الى سورية، وفرضت أمراً واقعاً جديداً جعل الغرب يعيد حساباته. ووفق استطلاع أعدّه مركز «ليفادا» المرموق، اعتبر 65 في المئة من الروس ان بلادهم استعادت موقعها بين «العمالقة»، والنتيجة لافتة لأن 47 في المئة فقط منهم خرجوا بهذا الاستنتاج عام 2011. الاستطلاع أظهر كيفية تعامل الروس مع الأحداث في بلادهم وحولها، بعد مرور ربع قرن على غياب الدولة العظمى، وبعد سنوات من المهانة واستجداء الغرب. فنصف الروس يظن أن «عظمة» بلادهم مرتبطة بقوتها الضاربة وذراعها العسكرية الطويلة، بينما يعتبر نحو 20 في المئة فقط ان هذا الوصف يُطلق على بلد يحظى بمكانة واحترام دوليَّيْن. وبجردة سريعة للأرقام التي حملتها الدراسة، تبرز الأولويات التي تحرّك مشاعر الروس، ويتطلعون إليها، وبعد 52 في المئة يحرصون على مظاهر القوة العسكرية، حلت مطالب بازدهار التعليم والثقافة كشرط لبناء دولة عظمى بنسبة 40 في المئة، بينما توقفت نسبة 30 في المئة عند مطلبَيْن متتاليين: ان تكون روسيا «مسالمة» ثم «عادلة». ولكن، ثمة من يشكّك في الاستطلاعات ونتائجها وتوقيت إعدادها، ويرى بعضهم أنها غالباً ما تكون مرتبطة برغبة لدى النخبة السياسية لتبرير سياسات أو إطلاق تحوّلات فيها. يكفي ان نتائج مماثلة كانت مادة لتغطيات إعلامية واسعة في آذار (مارس) 2014، مباشرة بعد ضم شبه جزيرة القرم، آنذاك قال 63 في المئة من الروس أن بلادهم «قوة عظمى». وجاءت نتائج دراسات للرأي العام لافتة، في الأسابيع الأخيرة، وبعضها كان مبرراً كأن يخشى 72 في المئة من الروس هجمات إرهابية ضد بلادهم. ولكن، في ذروة «المواجهة» مع واشنطن، دلّت نتائج استطلاع على أن ثلاثة أرباع الروس يريدون إصلاح العلاقات مع الولاياتالمتحدة، واعتبر خبراء ان هذه النتيجة مرتبطة بتردّي الوضع المعيشي في ظل العقوبات الغربية. لكن الأبرز أن يقول 57 في المئة فقط أنهم يفضّلون بقاء بوتين رئيساً لولاية جديدة بعد عام 2018، وهذه نسبة ضئيلة مقارنة بمعدّلات تأييد سيد الكرملين الآن التي بلغت نحو 78 في المئة. ويعتقد خبراء بأن ذلك يعكس تنامي المخاوف لدى الروس، على رغم أن فكرة «الدولة العظمى» ما زالت تداعب خيالهم. هذا ما خلصت إليه نخبة من الخبراء الاستراتيجيين والاقتصاديين المقربين من الكرملين، في ملتقى موسّع نُظِّم أخيراً، ووصف المشاركون نجاحات روسيا الأخيرة، في أوكرانيا وسورية بأنها «تكتيكية». ورأوا أن على القيادة الروسية تطبيق حزمة من الإصلاحات الحساسة، لضمان موقع قوي ومستقر على الساحة الدولية. وعلى رغم اتفاق المجتمعين على أن نظرية «القوة الناعمة» التي راجت طويلاً، بدأت تفقد بريقها، وأن العالم يعود سريعاً الى مقاربة «القوة الخشنة» التقليدية التي أتاحت لروسيا التقدُّم اخيراً على الساحة الدولية، فإن المنتدى حذّر من أن «الاقتصاد الروسي غير مستعد لمواجهة طويلة الأمد مع الغرب». ونبّه إلى أن «النجاحات التكتيكية لن تعوّض فشل المشروع الاستراتيجي الأساسي» الذي تبنّته روسيا منذ تسعينات القرن العشرين، وعنوانه التكامل مع الغرب، ولا تعوّض فشل الخطة «ب» البديلة، القائمة على تكامل جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.