صدر في اسطنبول كتاب «الأوقاف الإسلامية في القدس الشريف، دراسة تاريخية موثقة» من إعداد: محمد هاشم غوشة، وتقديم خالد أرن، وتدقيق صالح سعداوي والصادق بخيت الفقيه ومحمود سعيد، وتولى النشر مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية في إسطنبول (أرسيكا). يبدأ الكتاب بفهرس محتوياته، ص: 7-12، ثم مفتاح المختصرات المستخدمة في الكتاب، ص: 13، ثم التقديم الذي كتبه خالد أرن مدير عام «أرسيكا» الذي قال: «هذا الكتاب مهم بموضوعه، وشامل في طرحه، وعميق في بحثه، ودقيق في توثيقه، وسليم في منهجه وتحقيقه، وعلى رغم كثرة الكتابات في الأوقاف وما يتعلق بها قديماً وحديثاً، إلا أنّ الأساس الأهم الذي يستند اليه هذا الكتاب هو نجاحه في الكشف عن وثائق وسجلات لم تُنشر من قبل عن الوقف الإسلامي في القدس الشريف، تؤكّد بما لا يدع مجالاً للشك، بجانب تثبيتها لأصل هذه الأوقاف، أحقية المسلمين التاريخية في هذه المدينة المقدسة، وهو المنطلق الذي ينطلق منه، والغاية التي يرمي إليها (ص 15). ويزيد إرسيكا فخراً أن هذا العمل المميز سبق له أن فاز بجائزة عبدالحميد شومان العالمية للقدس لعام 1426 ه/ 2005م، إذ وجدت اللجنة المنظمة للجائزة أنه يشكل مدونة في توثيق أوقاف القدس منذ مطلع العهد الأيوبي وحتى العصر الحديث...» ص 16. بدأ محمد غوشة الكتاب بتمهيد، ص 19-26، ومما قاله: «إن ضياع السجلات الشرعية الأيوبية والمملوكية الخاصة بمدينة القدس، وضياع سجلات العهد العثماني التي تسبق سنة 935 ه/ 1529م أثّرا في شكل كبير في أسلوب ومنهجية البحث التاريخي لمدينة القدس، فهذه السجلات التي لم نُشاهدها كانت حتماً ستكون مصدراً غنياً وخصباً لا مثيل له لتاريخ القدس يكشف مزيداً من المنشآت الأثرية والتاريخية، وينقل لنا أخبار وتفاصيل ذلك الزمان بحذافيره اليومية تماماً كما فعلت السجلاتُ الشرعية العثمانية لمدينة القدس، والتي تَمَّ تصويرها وتقديمها للباحثين على لفائف الميكروفيلم» (ص 20). وقد تضمّن المجلد الأول من الكتاب ثلاثة أقسام، الأول: الأوقاف في القدس في العصر الأيوبي، الثاني: الأوقاف في القدس في العصر المملوكي، الثالث: الأوقاف في القدس في العثر العثماني، وتضمن المجلد الثاني ثلاثة أقسام أيضاً عن أوقاف القدس من القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي، حتى القرن الثالث عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي، والعصر الحديث. وتضمن كل قسم من الأقسام التي وردت في المجلدين: لمحة تاريخية عن مدينة القدس، ودراسة تحليلية لأوقاف القدس في المرحلة الخاصة بذلك القسم، وجداول تفصيلية للوقفيات في مرحلة ما، ثم نَشر ودراسة وتحقيق بعض الوقفيات المذكورة في الجداول، وتكررت هذه الخطوات في كل أقسام الكتاب. جاء القسم الأول تحت عنوان: القدس في العصر الأيوبي، فبدأ بالحديث عن القدس وصلاح الدين، (ص 29- 47)، ثم تبعت ذلك جداول تفصيلية لأوقاف القدس في العصر الأيوبي من سنة 584 ه/ 1188م حتى سنة 626 ه/ 1229م، وتضمن هذا القسم من الكتاب: 34 وقفية، وتبع ذلك ملخص وقف صلاح الدين يوسف بن أيوب في جبل الزيتون وقرية أبو ديس سنة 584 ه/ 1188م، وتتابع إيراد الوقفيات الأيوبية حتى وقف عز الدين أيبك المعظمي على المدرسة العزية قبيل سنة 626 ه/ 1229م. وتضمن القسم الثاني (ص 142) الحديث عن الأوقاف على القدس ومناطقها في العصر المملوكي منذ عهد الظاهر بيبرس بن عبدالله البندقداري (658 ه/ 1260م – 676 ه/ 1277م) كما تضمّن هذا القسم من الكتاب/ 111 وقفية، وأولى وقفياته هي وقفية مقام النبي موسى سنة 668 ه/ 1269م، وآخر وقفيات العصر المملوكي التي تضمنها الكتاب هي وقفية أم هانئ بنت الحاج يوسف بن عبدالقادر بن الطيب سنة 916 ه/ 1510م، وهي وقفية ذريّة تخص داراً تقع في حارة مستراح السيدة مريم (خط النيابة)، فإذا انقرضت ذرية الواقفة وذرية أبيها، ولم يبق منهم أحد كان ذلك وقفاً على مصالح قبة الصخرة والمسجد الأقصى الشريف، وإن تعذر ذلك، والعياذ بالله تعالى، كان ذلك وقفاً على الفقراء والمساكين في القدس الشريف إن وجدوا... (ص 329). وتلاه القسم الثالث (ص 336) حول القدس في العصر العثماني ابتداء من سنة 922 ه/ 1516م بعد معركة اللجون (قرب جنين) بين العثمانيين والمماليك، وكانت أقدم وقفية في العصر العثماني على ذمة المؤلف هي الدار الواقعة في حارة باب الحديد التي وقفتها الحاجة عائشة الرومية وزوجها محمد على قبة الصخرة المشرفة سنة 922 ه/ 1516م، وتضمّن هذا القسم من الكتاب 292 وقفية بعضها يخصُّ عقارات، وبعضها يخص مخطوطات، وبعضها يخص النقود، وآخرها من حيث التاريخ وقفية خديجة بنت عيسى الرومية التي أوقفت 20 سُلطانياً ذهباً وداراً تقع في حارة باب حطة سنة 999 ه/ 1590م. المجلد الثاني بدأ المجلد الثاني بفهرس المحتويات لهذا المجلد (ص/ 541- 544)، وتلاه القسم الأول بعنوان: الأوقاف على القدس وأكنافها في القرن 11/ 17 ه، ويبدأ هذا العصر بعهد السلطان مراد الثالث بن السلطان سليم الثاني بن السلطان سليمان القانوني بن السلطان سليم الأول (928 ه/ 1574/ - 1003 ه/ 1594م)، ثم عهد السلطان محمد الثالث بن مراد الثالث (1003 ه/ 1594م – 1012 ه/ 1603م) ثم عهد السلطان أحمد الأول بن السلطان محمد الثالث (1012 ه/ 1603م – 1026 ه/ 1617م) وقد ورد اسم والد السلطان أحمد خطأً من حيث اسم أبيه، إذ جاء «السلطان أحمد الأول بن السلطان محمود الثالث» (ص 546)، وما هذا بسديد لأن والده محمد الثالث وليس محمود الثالث. ثم عهد السلطان عثمان الثاني بن السلطان أحمد الأول (1026 ه/ 1617م – 1031 ه/ 1621م) ثم عهد السلطان مراد الرابع بن السلطان أحمد الأول (1032 ه/ 1622م – 1049 ه/ 1639م) ثم عهد السلطان إبراهيم بن أحمد الأول (1049 ه/ 1639م – 1058 ه/ 1648م) ثم عهد السلطان محمد الرابع بن السلطان إبراهيم (1058 ه/ 1648م – 1099 ه/ 1687م). وبلغ عدد وقفيات هذا القرن: 327 وقفية متنوعة، أولاها: وقفية بلقيس خاتون سنة 1000 ه/ 1591م؛ مبلغ: 70 سلطانياً ذهباً على قراءة القرآن عند قدم النبي في قبة الصخرة المشرفة وبالقرب من محراب المسجد الأقصى، وآخرها: وقفية سكن بنت محمد الغزية داراً تقع في حارة باب حطة على المؤذنين والمهللين في المسجد الأقصى، وعلى قُرّاء القرآن الكريم بالقرب من باب المدرسة الأشرفية؛ وتاريخ هذه الوقفية سنة 1017 ه/ 1608م. ثم جاء القسم الثاني تحت عنوان: القدس في القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي. وبلغ عدد وقفيات هذا القسم 272 وقفية، أولاها وقفية صالح أفندي بن الشيخ عبدالجواد العسلي سنة 1100 ه/ 1688م، على قبة الصخرة المشرفة، وتتضمن الوقفية: قهوة مستبدلة تقع في خط داود في حارة الشرف، وداراً تقع في حارة الضوية لصق الزاوية اليعقوبية من جهة الشمال، وحاكورة تقع في حارة الضوية، وطاحونة وفرناً ملاصقاً للطاحونة يقعان في خط داود، وآخر وقفية: هي وقفية محمد بك هندية على قبة الصخرة المشرفة، وتتضمن قطعة أرض تقع خارج القدس بالقرب من باب الخليل شركة وقف تقي الدين العنبوسي. وقد خلا البحث في هذا القسم من ذِكر أسماء السلاطين الذين تسلطنوا في القرن الثاني عشر الهجري. ثم جاء القسم الثالث (ص 931) تحت عنوان: القدس في القرن 13 ه/ 19م، حتى العصر الحديث. فذكر أن القدس وقعت تحت الاحتلال المصري بقيادة إبراهيم باشا سنة 1247 ه/ 1831م، فثار عليه المقدسيون لأنه أذلّ المسلمين، وبلغ عدد الوقفيات في هذا القسم: 350 وقفية، أولاها: وقفية حسن بن عبداللطيف الحسيني على قبة الصخرة سنة 1201 ه/ 1786م، وتتضمّن طاحونة تقع في حارة الأرمن، وآخرها: وقفية سليمان بن طه الدجاني على زاوية النبي داود، وتتضمّن قطعتي أرض تقعان في حي النبي داود، وتعرفان بكرم نور الدين وأرض الموارس. وذُكِرتْ في آخر المجلد الثاني من الكتاب مصادر البحث (ص 1135- 1157)، وشملت الوثائق سجلات محكمة القدس الشرعية، ودفاتر الطابو: 242، 516، 602، ودفتر مفصل لواء القدس الشريف: 81، ووثائق وسجلات منشورة لمحمد التميمي، ومحمود سعيد، ومحمد عيسى صالحية، ومصادر مخطوطة ومراجع مطبوعة باللغة العربية والأعجمية، وملحقاً (ص 1156 – 1157). لا شك في أن الباحث محمد هاشم غوشة قد بذل مجهوداً مفيداً، وزخر الكتاب بمعلومات غزيرة حول الأوقاف في القدس، ومع أنه ادَّعى قائلاً: «لقد أحصى هذا الكتاب على نحو غير مسبوق عدد الوقفيات المسجلة في كل سجلات المحاكم الشرعية في القدس ووثائق الأوقاف الأخرى مرتبة في جداول تفصيلية بدءاً بالعصر الأيوبي وحتى العصر الحديث، وبذلك يكون أول كتاب يحتوي على إحصائية شاملة بكل حجج الوقف الإسلامي...» (ص 22)، فهذا الكلام غير دقيق، ولا نوافقه على ما ادّعاه لأن كتابه ليس شاملاً إطلاقاً، بل غطّى جزءاً من أجزاء الوقف في القدس، والدليل على ذلك أن هنالك وقفيات ورد ذِكرُها مع صورِها في كتاب وثائق وصُور القدس في العهد العثماني الصادر باللغة التركية عن دار جاملجة للنشر في إسطنبول باللغة التركية سنة 2009م، ومن تلك الوقفيات وقفية خُرَّم سلطان سنة 967 ه/ 1559م، وهي تتضمن أسماء القرى التي وقفتها على العمارة والتكية في القدس (ج:1/ ص 211-212)، ووقفية الشيخ عيسى على قبة الصخرة في 12 شعبان سنة 967 ه/ 1560م وقد وردت صورتها (ج: 1/ ص 363). كما وردت وقفياتٌ أُخرى من الصفحة 211 حتى الصفحة 251. ومما يُلفت الانتباه أنّ المؤلف ذكر الكثير من الوقفيات في الجداول الإحصائية، ولكنه لم ينشر صورَها ولا نصوصَها، ومنها وقفية الشيخ خليل أفندي بن الشيخ عبدالرحمن الجاعوني التي ذكرها تحت الرقم 83 في جدول أوقاف القدس في القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي (ج:2/ ص 790) وقد صدرت في غرة شعبان سنة 1134 ه/ 1721م، ولكنه لم ينشر صورتَها ولا نصَّها على رغم توافر صورتها باللغة العربية في أرشيف شورى الأوقاف العثمانية، ورقم قيدها الجديد: 4604 بتاريخ 1 ربيع الأول سنة 1335 ه/ 1916م. وعلى رغم كُلّ التقدير لما بُذل من جهد في إعداد وتدقيق وإخراج هذا الكتاب، فمِن المؤكّد أنّ موضوع الأوقاف الإسلامية في القدس وفلسطين ما زال يتطلّب المزيد من البحوث ونشرها، إذ إن هنالك الكثير من الوقفيات التي لم تنشر باللغة العربية وباللغة العثمانية، وممّا يُؤسف له عدم اهتمام المؤسسات الفلسطينية بهذا الموضوع كما يجب، على رغم أنها تجمع ملايين الدولارات باسم القدس والأقصى والصخرة والقضية، ولكنها لا تخصّص واحداً على بليون من تلك المبالغ لموضوع البحوث عن الأوقاف التي تُثبت الهوية المقدسية، مع أنهم يُنفقون الملايين على مؤتمرات التسوّل في فنادق الخمس نجوم حول العالم. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. * باحث سوري مقيم في لندن