أثارت برمجة عرض فيلم الراحلة رندة الشهال «طيارة من ورق» على شاشة احدى المحطات التلفزيونية في لبنان إشكالاً ناتجاً من رفض زعامات الطائفة التي يتناول الفيلم حكاية بنت مفترضة من بناتها، عرض الفيلم. وهذا يستدعي بعض الملاحظات، التي تفرض نفسها بغض النظر عن اعجاب المرء بالفيلم أو عدم اعجابه به. فالمسألة هنا تتعدى الحديث الفني، الى حرية التعبير، في زمن يقال ان الرقابات، على كل أنواعها الى تضاؤل. فالاعتراض هذه المرة أتى من طائفة معينة. في حالات سابقة تتناول أعمالاً غير «طيارة من ورق» كانت الاعتراضات نقابية (مثلاً اعتراض نقابة المحامين المصريين على فيلم «الأفوكاتو»)، أو عائلية (الاعتراض الذي تواصل سنين على تحقيق أعمال فنية عن اسمهان، واعتراض أسرة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، على بعض مشاهد الفيلم الذي حققه عنه أنور قوادري)، أو غير ذلك. وفي الحالات كافة نعرف أن الاعتراضات سقطت وبقيت الأعمال الفنية. بقيت وإن غابت عن بلد أو بلدين. ومن المرجح أن تلك هي المسألة اليوم مع الاعتراض «الطائفي» على فيلم رندة الشهال الأخير. بل إن ما يجب قوله عن «طيارة من ورق» هو أنه عرض عشرات المرات على شاشات التلفزة خلال السنوات الأخيرة... كما أنه عرض على شاشات السينما اللبنانية، من دون اعتراضات تذكر، لا طائفية ولا غير طائفية. ومن هنا، وإن تمكن البيان الطائفي الذي صدر للمناسبة، من منع عرضه على شاشة لبنانية، فمن المؤكد أن عروضه التلفزيونية ستتواصل وعلى غير شاشة عربية، وكذلك الحال بالنسبة الى أية عروض سينمائية له، محتملة. أو لنقل هنا، ان الزوبعة المثارة اليوم حول الفيلم، وإن اتخذت في لبنان، لأسباب لا تخفى على أحد، طابع الزوبعة الحقيقية والفاعلة، لن تكون خارج لبنان أكثر من زوبعة في فنجان. والأدهى من هذا، أن الضجيج الذي تثيره هذه الزوبعة سيؤدي الى مفعول معاكس تماماً لما أراد أصحاب هذا الضجيج: خلال الفترة المقبلة ستتدافع محطات عدة لعرض الفيلم أكثر وأكثر، وكذلك ربما تفعل الشيء نفسه صالات سينمائية في أماكن عدة! قبل ربع قرن من الآن، كان مقدراً لرواية سلمان رشدي «آيات شيطانية» أن تبيع ما لا يزيد عن ألوف النسخ، ثم جاءت فتوى الإمام الخميني، داعية الى اعدام رشدي، فإذا بالنسخ تتحول الى ملايين، وإذا برشدي لا يزال حياً، يكتب ويصدر عملاً بعد الآخر حتى بعد رحيل الخميني، صاحب الفتوى الشهيرة، بسنوات عدة. كان يمكن تلك الحال أن تشكل درساً مفيداً... لكنها لم تفعل.. للأسف.