في جهود معرفية قام بها الدكتور إمام عبدالفتاح إمام، تمثلت في إصدار سلسلة «الفيلسوف والمرأة» قرأت منها «أفلاطون والمرأة، أرسطو والمرأة، الفيلسوف المسيحي والمرأة»، يصف الدكتور إمام سلسلته البحثية في مدخل عام قائلا: «تسعى هذه السلسلة إلى دراسة العلاقة بين «الفيلسوف والمرأة» في محاولة لتأكيد الفكرة التي تقول: إن الصورة السيئة الشائعة عن المرأة بيننا هي التي رسمها الفيلسوف منذ بداية الفلسفة في بلاد اليونان، ثم وجدت عندنا أرضاً خصبة، حتى أنها ارتدت ثوباً دينياً، وأصبحت فكرة مقدسة لا يأتيها الباطل! وهذا ظاهر عند عمالقة الفكر اليوناني «سقراط، أفلاطون، أرسطو» الذين أصبحت فكرتهم جزءاً من التراث الفلسفي الذي انتقل إلى العالمين المسيحي والإسلامي فلقيت ترحاباً كبيراً، واستعداداً لترديدها ولدعمها من الناحية الدينية»، انتهى. وتأتي هذه القراءة ضمن الفكرة التي أتابعها منذ مدة ليست بالقصيرة، وأصدرت فيها محاضرة مسجلة بعنوان «المرأة من جديد» بدأت في تحريك الرواكد الذهنية، ثم كان الحوار معي في قناة «المجد» الذي قلت من خلاله «إن الفقه الإسلامي لم ينصف المرأة» ومرادي بالفقه الموروث الفهمي وليس النص المقدس «وصار ما صار مما لست أذكره»، كما كتبت مقالة بعنوان «المرأة... إنسان» وكان آخر ذلك محاضرة في النادي الأدبي في الرياض حملت عنوان «المرأة في فكر الصحوة الإسلامية» ضمن هذا السياق النقدي أيضاً يأتي الحديث عن «الفقيه... والمرأة»، وما قدمته من نص الدكتور إمام يكفي في هذه العجالة لفهم نشأة الغلط، ولنؤكد سيرورة الفكرة وتداخلها مع المنتجات الفقهية، فضلاً عن التداخل المجتمعي الخطر الذي يجعل هذه الأفكار في سلم القيم والمبادئ، ما يجعل المشروع النقدي للفقه الإسلامي بالغ الأهمية وبالغ الخطورة في آن، ثمة ممارسات فقهية فهمية تأثرت بالفكر الفلسفي ثم الديني المسيحي، كما أن هناك نصوصاً وأحكاماً فقهية تأثرت بحال الفقيه وظروفه النفسية والاجتماعية والسياسية، كل ذلك على رغم أن الإسلام بمصدرية الكتاب والسنة قوليّها وفعليّها أنصفت المرأة وأعطتها كامل الحقوق لكل جوانب إنسانيتها. فالغزالي أبو حامد يكتب لنا في مدونته «الإحياء» رؤيته للمرأة قائلا: «والغالب عليهن سوء الخلق، وركاكة العقل، ولا يعتدل ذلك منهن إلا بنوع لطف ممزوج بالسياسة» ثم هو يرى أن «على المرأة أن تكون قاعدة في قعر بيتها لازمة لمغزلها، لا يكثر صعودها، قليلة الكلام لجيرانها...» وهو - أي الغزالي - وبعيداً عن موسوعته «الإحياء» بل في مدونته العقلية! «المستصفى في أصول الفقه» ليس فيها مبحث خاص للمرأة إلا ستة أسطر في مبحث «مضحك» يتداوله بعض الأصوليين وهو: «دخول النساء تحت حكم المضاف إلى الناس» فمن الفقهاء من يجعل هذه المسألة من أوائل المسائل التي حدثت في الإسلام «في صلح الحديبية سنة ست للهجرة» فالمرأة عند بعض الفقهاء هي بمنزلة العامة والمهمشين! وفي كتاب «تلبيس إبليس» لابن الجوزي جعل الباب ال12 لتلبيس إبليس على العوام وضمنه فصلاً في تلبيسه على النساء! وفي كتاب مقالات الإسلاميين للأشعري فصل بعنوان: «قولهم في حكم العامة وأشباههم» يقول فيه: «واختلف العلماء في العامة والنساء الذين على جملة الدين إذا خطر ببالهم التشبيه على قولين...»، بل قد تكون المرأة بمنزلة المجنون! فابن قدامة في المغني عند حديثه عن إمامة الرجال في الصلاة يشبه المرأة بالمجنون فيقول: «ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا تؤم امرأة رجلاً» ولأنها لا تؤذن للرجال فلم يجز أن تؤمهم كالمجنون»! ولعل المعاناة الخاصة للفقيه تلقي بظلالها على التشكيل الفهمي لديه، فهذا القرطبي في كتاب المفهم يعلق على حديث الثلاثة الذين جاءوا على بيوت النبي عليه الصلاة والسلام وقال أحدهم: «أما أنا فلا أتزوج النساء» يقول القرطبي: «وحديث أنس وسهلٍ يدلان على أن التزويج أفضل من التفرغ للعبادة، وهو أحد القولين المتقدمين، ويمكن أن يقال: كان ذلك في أول الإسلام، لما كان النساء عليه من المعونة على الدِّين والدنيا، وقلّة الكلف، والتعاون على البر والتقوى، والحنوّ، والشفقة على الأزواج، وأمَّا في هذه الأزمان فنعوذ بالله من الشيطان والنسوان، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد حلَّت العزلة والعزبة، بل وتعيّن الفِرار من فتنتهنَّ، والرحلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله»، ويتناقل هذا النص ويؤيده الفقيه «الأبي» كما نقله عنه ابن علان في «دليل الفالحين طرق رياض الصالحين». سأجدني مضطراً للوقوف هنا، فالصحيفة تحد من عدد الحروف، وعسى أن أكمل الحديث في مقال مقبل. [email protected]