على هامش مهرجان القاهرة السينمائي السابع والثلاثين أقام أسبوع النقاد - الذي تنظمه جمعية نقاد السينما المصريين والذي يقام للعام الثاني على التوالي - حلقة بحث حول مئوية المخرجين المصريين صلاح أبو سيف وكامل التلمساني المولودين في عام 1915، وذلك بالتعاون مع قسم السينما بالجامعة الأميركية في القاهرة. شارك في الندوة عدد من الباحثين والنقاد وكان من بين البحوث دراسة بعنوان: «الحس الشعبي في أفلام صلاح أبو سيف... المكان الشعبي نموذجاً» للدكتور ناجي فوزي، الذي ذكّر بأن عدداً غير قليل من أفلام صلاح أبو سيف يمكن أن تدخل في عداد ما يعرف ب»أفلام الأمكنة» فهناك سبعة أفلام على الأقل يدور معظم أحداثها الروائية داخل مكان رئيسي واحد، يرتبط اثنان منها بالحمام الشعبي كمكان للأحداث، هما «لك يوم يا ظالم» 1950. الذي يستخدم الحمام الشعبي كمكان يدور فيه عدد من الأحداث المهمة في الفيلم، والآخر هو فيلم «حمام الملاطيلي 1973، الذي تدور معظم أحداثه الرئيسية في أحد الحمامات الشعبية. فمثلاً معظم الأحداث الرئيسية لفيلم «شباب امرأة» 1956 تدور في معصرة للزيت، وفيلم «الفتوة» 1957 في سوق الخضار، و»بين السماء والأرض» 1959 داخل مصعد كهربائي، و»الزوجة الثانية» 1967 في منزل ريفي كبير بإحدى القرى المصرية الصغيرة، وفيلم «الكداب» 1975 داخل مقهى شعبي. الأماكن تضمنت الدراسة ستة مباحث تناولت الحارة، المقهى، الحمام الشعبي، السرجة (معصرة الزيت)، والمسجد باعتباره ملاذاً دينياً شعبياً، فللدين عند المصريين مكانته وتأثيره معاً، لذلك فإن معظم المصريين - وفق الدراسة - يعتبرون «دار العبادة» ملاذاً دينياً للشكوى أو الرجاء أو التطهر من الذنوب، وهو ما نجد له صدى في عدد من أفلام «صلاح أبو سيف»، خصوصاً عند الطبقات الشعبية والفقيرة، لأسباب ودوافع تختلف في ما بينها من فيلم لآخر، كما في أفلام «الوحش»، «شباب امرأة»، «الزوجة الثانية»، «حمام الملاطيلي»، «المواطن مصري»، ثم تطرق البحث إلى السوق الذي قُدم للمرة الأولى في السينما المصرية في فيلم «الوحش» عام 1954 كمكان للتصوير السينمائي، باعتباره يقع في قرية ريفية في جنوب مصر (الصعيد)، ثم ظهر السوق مرة أخرى في «الفتوة» عام 1957. واعتبرت الدراسة أنه وعلى رغم أن «السوق» يعد مجالاً خصباً لإنتاج الدراما الاجتماعية بصفة عامة بسبب تنوع شخصياته وأحداثه، إلا أن تواجده كمكان رئيسي للدراما في الأفلام المصرية الروائية هو تواجد محدود للغاية. هذا إلى جانب أماكن فرعية أخرى تم تقسيمها إلى نوعين؛ الأماكن الفرعية العابرة والأماكن الفرعية ذات التأثير الدرامي مثل: المولد – المسمط – الجبانة – الورشة الصناعية – دكان البقالة – دكان العطارة – الخمارة – معمل الطرشي – مصنع الثلج – المجزر العمومي (السلخانة) – دكان القصاب (الجزارة) – دكان الفرارجي – القناطر الخيرية – المسرح – حنفية الكوبانية – دكان الفطاطري – مخازن القطارات – الكُتاب). ويُعدد ناجي فوزي العناصر المكونة للحس الشعبي في أفلام المخرج «صلاح أبو سيف» فإلى جانب المكان الشعبي، يُضيف الشخصية الشعبية (سواء كانت شخصية رئيسية أو غير رئيسية أو حتى الشخصية العابرة)، واستخدام الموروثات الشعبية المتعددة، فضلاً عن كل من الجنوح إلى الحس الفكاهي، واستخدام المفارقات اللفظية، واستلهام المفاهيم الشعبية الاجتماعية وما يتصل بها من مفاهيم أخلاقية، واستخدام المأثورات الشعبية اللفظية، بالإضافة إلى مشاهد الاحتفالات الشعبية، وألعاب التسلية الشعبية. ...وصورة للمرأة أما الورقة البحثية للناقد ياقوت الديب فتناولت المونتاج في أفلام صلاح أبو سيف بالتطبيق على ثلاثة أفلام هي ريا وسكينة، شباب امرأة، الزوجة الثانية. في حين كتبت المخرجة عرب لطفي عن المدينة في سينما صلاح أبو سيف مؤكدة أنه في مشروعه الواقعي لم يصل أبو سيف بمغامرته إلى حد استخدام أماكن التصوير الطبيعية إلا ضمن إطار حيز مدروس وتبعاً للاحتياجات الضرورية في الفيلم وهو ما يتعارض تماماً – في رأي لطفي- مع طريقة عمل سينما الواقعية الجديدة التي نشأت في إيطاليا والتي تأثر أبو سيف بأسلوب عملها. فمثلاً هو استخدم المقابر أثناء تصويره «لا وقت للحب» كما استخدم جدران المعسكرات البريطانية في منطقة القنال ومصنع الثلج في القرية وبعض الشوارع القاهرية، إلا أنه في باقي مشاهد الفيلم كان يعود سريعاً للعمل داخل الديكورات حتى أثناء تنفيذ بعض المشاهد الخارجية، وتلفت عرب لطفي الأنظار إلى أنه: «لو دققنا جيداً في أعمال أبو سيف سنلاحظ أنه لم يخرج ولم يسع للخروج عن مسار السينما الكلاسيكية بكل ما لها وما عليها. ومع ذلك كان هناك دائماً ما يؤكد وجود شيء جديد تماماً شديد الواقعية شديد القدرة على اختراق الحياة اليومية للإنسان المصري وخصوصاً ساكن المدينة، فسيناريو أبو سيف استطاع دائماً أن يقدم لنا حكايات المدينة بتعقيداتها، وبشخصياتها المركبة، بتناقضاتها شديدة الواقعية إلى الحد الذي تحولت فيه هذه الشخصيات وحكاياتها إلى جزء من نسيج المدينة في خيالنا وإلى تفاصيل تصيغ ذاكرتنا مع المدينة». وتضمنت حلقة البحث قراءة في الرؤية والأسلوب عند كامل التلمساني من وجهة نظر الناقد أحمد شوقي بالتطبيق على أفلام: «السوق السوداء» (1945)، «كيد النساء» (1950)، «موعد مع إبليس» (1955)، و»الناس اللي تحت» (1960). بينما اختار الدكتور نادر رفاعي موضوع «صورة المرأة في أعمال كامل التلمساني» للكشف عن موقف الأخير كمؤلف ومخرج من شخصية المرأة، من خلال دراسة الأفلام الروائية التي قدمها وذلك عبر محورين؛ الأول يهتم بتصنيف شخصية المرأة في أفلامه سواء كانت أم أو حبيبة أو ابنة، أو خادمة أو حتى امرأة عاملة، والثاني تناول تقديم شخصية المرأة من خلال عناصر فن الفيلم، فمثلاً الشخصيات النسائية في فيلم «السوق السوداء» بدت سلبية وخائفة ومستسلمة، على رغم رؤية كامل التلمسانى التقدمية داخل العمل، إذ حرص على أن تكون الفتاة الصغيرة ابنة الأسطى هاشم هي العنصر المتعلم، والمبشر بالمستقبل. وتشكل الأفلام التي تتناول شخصية الفتاة المحبة (الحبيبة) جانباً ملحوظاً من مجمل أعمال التلمسانى. وكذلك شخصية الخادمة ففي «الناس اللى تحت» يقدم شخصيتين تنتميان إلى فئة الخدم، فاطمة وهي امرأة فقيرة تعيش كالنبات الطفيلى، أما الشخصية الثانية فهي منيرة والتي أوضحت لحبيبها الطريق المؤدى إلى الكرامة الشخصية والاستقلال الذاتي ولولاها لظل أسير الخدمة بمنزل بهيجة. في حين يقدم في «معهد الرياضة والرقص» نموذجين للمرأة العاملة: المشرفة (زينات صدقي)، ومديرة المعهد (عزيزة حلمي)، وتفشل كلا الشخصيتين في إنقاذ البطلة. يُذكر أن أسبوع النقاد نظم مسابقة للأفلام الطويلة (عمل أول أو ثان) موازية للمسابقة الرسمية، وعرض سبعة أفلام تنافست على جائزة شادي عبد السلام لأفضل فيلم، وجائزة فتحي فرج لأفضل إسهام فني، وإلى جانب تكريم المخرج التسجيلي والناقد السينمائي الكبير هاشم النحاس كذلك أقام الأسبوع فعالية خاصة تحت عنوان «بانوراما الفيلم البولندي» تضمنت خمسة أفلام ألقت الضوء على تاريخ السينما البولندية بحضور الناقد البولندي بواجيي هرابكوفيتش.