احتفل موقع البحث الشهير «غوغل» بالذكرى ال 103 لمولد الفنانة المصرية من أصل سوري أسمهان، الفنانة التي ولدت في الماء وماتت فيه، عن عمر ناهز 32 عاماً، وهي فترة قصيرة احدثت خلالها ثورة كبرى في عالم الغناء، ووصفت بانها احدى معجزات الغناء العربي، وشكل نشاطها السياسي لتحرير جبل الدروز في سورية من الاحتلال الفرنسي لغزاً غامضاً، إذ اتهمها البعض بالجاسوسية لمصلحة البريطانيين، ودافع عنها آخرون بالقول انها عملت من أجل موطنها الأصلي. ولدت آمال الأطرش، وهو الاسم الحقيقي لاسمهان، على ظهر باخرة مبحرة من الأناضول اثناء عودة اسرتها الى جبل العرب في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 1912، إذ كان والدها الأمير فهد الأطرش والياً على قضاء «ديمرجي» في تركيا. ومع بداية العشرينات بدأت الثورة السورية الكبرى في جبل العرب. وحينما اشتد اوارها، لاحق الفرنسيون آل الأطرش في كل مكان. فأشار الأمير فهد على زوجته علياء المنذر بأن ترحل مع اولادهما الثلاثة، فؤاد وفريد وآمال، الى لبنان ومن ثم الى مصر التي دخلوها بمساعدة الزعيم سعد زغلول، إكراماً لثورة جبل العرب ضد الاستعمار الفرنسي. وفي مصر، سعت الأم علياء الى إدخال اطفالها الى مدرسة «الفرير» الفرنسية، وأخفت نسب آل الأطرش، وسجلت فؤاد وفريد باسم آل كوسا. وكانت السيدة علياء صاحبة صوت جميل وتجيد العزف على آلة العود، فتعرفت الى بعض الموسيقيين، ومنهم محمد القصبجي الذي أعجب بصوتها ولحن لها عدداً من الأغاني باسم «عليا المنذر الأطرش»، وغدا بيتها مقصد الفنانين، ومنهم محمود صبح وداود حسني والشيخ زكريا احمد. بداية الطريق إلى الفن وذات يوم، وبينما كان القصبجي في زيارة لبيت علياء المنذر، سمع آمال وهي تردد اغنية أم كلثوم «سكت والدمع تكلم»، فلم يصدق ما سمع وتملكته الدهشة من صوتها الساحر، فما كان من داود حسني ومحمود صبح وزكريا احمد إلا ان أجمعوا على تبني هذا الصوت النادر، فتعهد داود حسني بتعليمها العزف على آلة العود، بينما قام الشيخ زكريا احمد بتعليمها اصول الإلقاء الغنائي، وتفرد محمد القصبجي في تعليمها المقامات وطرق الانتقال بين النغمات. وسماها داود حسني «أسمهان»، وهو الاسم الذي لازمها حتى وفاتها. غنت اسمهان من ألحان داود حسني والقصبجي وفريد غصن وزكريا احمد قبل العام 1930، وأقنعها شقيقها فريد في ذلك العام بالعمل معه في صالة «منصور» في القاهرة، وهو التاريخ الذي بدأت فيه الغناء بشكل فعلي ورسمي. وفي العام 1932، جاء الى القاهرة الأمير حسن الأطرش ليعود بها الى جبل العرب حيث تزوجها وأقامت في قصره مدة ست سنوات، انجبت خلالها ثلاثة اولاد، بقي منهم على قيد الحياة ابنتها الوحيدة كاميليا. وعادت اسمهان الى القاهرة في العام 1938 بعدما حصلت على الطلاق، لتبدأ رحلة الشهرة والنجومية، ولتغدو واحدة من اهم مطربات القرن العشرين، وغدت المنافسة الأولى لأم كلثوم، فقدم لها القصبجي اروع ثلاث اغان: قصيدة «ليت للبراق عيناً»، وقصيدة «اسقنيها بأبي انت وأمي» وهي من شعر الأخطل الصغير بشارة الخوري، وأغنية «فرق ما بينا». ثم لحن لها رياض السنباطي «حديث عينين»، وأيضاً اتصل مدحت عاصم بأسمهان من طريق شقيقها فريد ليلحن لها «يا حبيبي تعالى الحقني»، ثم أتبعها بمونولوج «دخلت مرة في جنينة». أسمهان والسياسة في 21 حزيران (يونيو) 1992، أفردت صحيفة «اندبندنت اون صاندي» على غلاف المجلة الملحقة بها صورة لأسمهان، وأدعت في تحقيق مطول بأن علاقة وثيقة جمعت بينها وبين المخابرات البريطانية. وتناول الصحافي نيكولاس فايت قصة حياة الفنانة، أو «أميرة حسن الاطرش» من لحظة ولادتها في جبل الدروز في العام 1916 وحتى مقتلها في 14 تموز (يوليو) 1943. وكشف التحقيق الصحافي هذا عن «قبول اسمهان لعرض قدمه لها ضابطان من المخابرات البريطانية لتستخدم جمالها والحب الذي يكنه لها زوجها السابق الامير حسن باشا الاطرش، لتسهيل مهمة الجيش البريطاني للمرور شمالاً ودخول دمشق». وبعد نجاح البريطانيين في دخول سورية، يؤكد التحقيق أن قائد القوات البريطانية جون إفتس، الذي اشتهر باسم «جاك المجنون»، هام في حب اسمهان التي طلبت منه تحرير جبل الدروز من السيطرة الفرنسية كخطوة اولى على طريق الاستقلال. ولما رفض إفتس، لعدم وقوع جبل الدروز في نطاق سيطرته، اعتبرته اسمهان خائناً، وقبلت عرضاً بالذهاب الى أنقرة سراً في محاولة لعقد محادثات قد تؤدي الى تحرير جبل الدروز. إلا ان البريطانيين علموا بالرحلة السرية، وأوقفوها قبل ان تصل الى العاصمة التركية. ويشير الصحافي فايت الى ان قصة اسمهان الحقيقية ظلت سراً حتى وفاة جون إفتس في العام 1988، الأمر الذي شجع احد الضباط البريطانيين السابقين، وهو السير ستيفن هاستينغز، على كتابة وقائع القصة التي ظلت تشغل تفكيره على مدى اكثر من 50 سنة. لغز وفاتها وفي صباح يوم الرابع عشر من تموز (يوليو) 1944، وبينما كانت اسمهان في طريقها الى رأس البر لقضاء فترة راحة من تصوير فيلم «غرام وانتقام»، مع احدى صديقاتها، هوت السيارة التي تقلها الى قناة مائية (ترعة) في منطقة المنصورة وهي في طريقها الى الاسكندرية. ومن الثابت والمؤكد في هذه الحادثة الغامضة، ان السائق قفز من السيارة وألقى بنفسه على الحشائش، تاركاً السيارة تستقر بمن فيها في قاع الماء، فماتت اسمهان غرقاً. وقيل الكثير عن الواقعة التي صورت على انها حادث سير عادي، وظل السؤال قائماً الى اليوم: من قتل اسمهان؟ ومن كان وراء هذه المأساة المروعة؟ هل هو زوجها الاول الامير حسن الاطرش الذي آلمه ان تهجره؟ أم هو احمد سالم زوجها الاخير الذي فشل في اصابتها بالرصاص قبل الحادث بأيام؟ أم أنها الملكة نازلي، والدة الملك فاروق، التي كانت ترى في اسمهان المنافسة الوحيدة لها على قلب احمد حسنين؟ وهل هي المخابرات الالمانية التي أرادت الانتقام من أسمهان لأنها سلمت عميلا ألمانيا الى المخابرات البريطانية في الشام؟ أم أن الانكليز او الفرنسيين او اليهود قرروا التخلص منها بعد افتضاح أمرها كعميلة مزدوجة؟. من المؤكد ان لكل هؤلاء مصالحهم في اختفاء اسمهان، لكن لا احد يعلم على وجه اليقين حقيقة ما جرى، على رغم مرور ثلاثة وخمسين عاما على الحادث.