يحتفل البرنامج الثقافي لمهرجان العرس الشرقي في باريس الذي تحتضنه العاصمة الفرنسية كل خريف، بالموروث العربي الإسلامي المتعلق بثقافة الأفراح، ويركز بصورة خاصة على دور المرأة كراعية لهذه الذاكرة - الكنز. وبالتالي تميز عرض «إسلامك فشن اواردز» الذي نظمه المهرجان في دورته الثامنة بلوحات تراثية استثنائية، أبرزت ابعاداً «حضارية» فائقة الجمال، لعمق هذا الموروث وللدور الجوهري الذي تلعبه النساء في هذا الصدد. ملحمة تراثية من طوارق ليبيا شكلت مشاركة الطوارق الليبيين في مهرجان العرس الشرقي اضافة نوعية إلى المناخ الاحتفالي للحدث، إذ التف حولهم الجمهور أينما حلوا يسألونهم عن لباسهم وعن تقاليدهم وعن حاضرهم وماضيهم. وزركش حضورهم ملحمة من التلاحم الإنساني العميق الأثر والتأثير، توجت بلوحة غاية في الجمال استعرضوا خلالها الزِّي الليبي للأفراح الذي يعود الفضل في نسجه وصنعه وتطريزه وإبداع ألوانه الى المرأة. وواكب اللوحة الموسيقار موسى كينا بأنغام تارقية صدحت في المكان كترانيم سحرية، حلقت بالحضور في فضاءات عجائبية البعد. ونجح طوارق ليبيا في تعريف جمهور المهرجان بتفاصيل الثقافة الصحراوية، وعلاقة الطوارق بالصحراء، في أبعادها الحضارية والمناخية والثقافية، والطريقة التي يتلاقى فيها الإبداع الصحراوي، ويتزاوج عبر الصحراء الكبرى، خصوصاً من خلال العرض المشترك مع سيدات موريتانيا الذي أبدع لوحة فنية عذبة اختصرت تفاصيل العرس في الصحراء. العروس الموريتانية تختفي وراء السواد اكتشف جمهور المهرجان عبر هذا العرض، ان العروس الموريتانية ليلة زفافها تتوشح برداء أسود يغطي جسدها ووجهها، الأمر الذي قد يبدو انه سيبتعد بها عن الجمال او الكمال. ولكن الذي تأكد للحضور بجلال طلعة العارضة الموريتانية في زيها الأكحل الجميل، ان نموذجاً نوعياً للكمال والجلال، يتحدى ما هو معرف ويفوق الوصف، يطل عبر قدها المياس من جهة، وعبر روعة الزِّي الأحادي اللون المنغلق بالجسد والوجه من جهة أخرى. «مع عروس موريتانيا اللون الأسود هو سيد الموقف وسيد الجمال والجلال والمفتاح للولوج الى عمق سحر السحر الذي لا يخضع لأي وصف»، تقول السيدة زبيدة شرقي مديرة المهرجان التي اعتبرت هذه المشاركة واحدة من أروع الإطلالات التي اغنتى بها الموعد. مكانة خاصة للنساء في مجتمع الطوارق حول هذه الشراكة، يشرح أكلي شكا مدير قناة «توماست» الفضائية الخاصة بالطوارق، أن تفاصيل الزِّي النسائي للمرأة التارقية لا يختلف تقريباً عنه عند الموريتانية، «وقد تعذر سفر سيدات الصحراء الليبية في ظل الظروف الأمنية الصعبة، لذلك رأينا ان من الرائع ان نتمم هذه الشراكة الجميلة مع الزِّي الموريتاني، بمشاركة سيدات من الوطن الشقيق موريتانيا». وشدد شكا على «أن المرأة لدى الطوارق تحتل مكانة كبيرة، ونحن مجتمع أمومي حتى الساعة ونقدر دورها العظيم في حماية النسب والعرض ورعاية الأسرة... إنها السند الأساسي للحضور وللثقافة التارقية. لنقل إنها راعية الذاكرة الحضارية للطوارق». وأعرب شكا عن سعادته بأنه صار لطوارق ليبيا القدرة على التعبير عن أنفسهم وعن ثقافتهم، والمشاركة في التظاهرات الدولية باسم الخصوصية الحضارية التي يتميز بها المكون التارقي». يذكر أن رجال الطوارق يتميزون بإرتداء لثام من القماش الأبيض الرقيق، يستر به الرجل وجهه ما عدا العينين، ويلف جزءاً كبيراً منه على رأسه أشبه بالعمامة، يحميهم من حرارة شمس الصحراء ويستر الفم تعبيراً عن التأدب والاحتشام أمام الأقارب خصوصاً أمام الحماة.