تتميز الأزياء الليبية التقليدية بالثراء اللوني والتصاميم المتعددة التي تختلف بين مدينة وأخرى في بعض التفاصيل التي لا يلحظها إلا الليبي الخبير بهذه الأزياء وألوانها، فللفراشية طريقة خاصة في الارتداء تختلف من حيث الحزام بين شرق ليبيا وغربها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرداء والمحارم (الأوشحة)، وحتى الحلي، فهناك مصوغات فضية وذهبية يستخدمها الشرق الليبي تختلف عن تلك المستخدمة في غرب ليبيا أو جنوبها. أما في ما يخص غطاء الرأس (الشنة)، فلكل منطقة لونها الذي يميزها، فالشنة الحمراء لشرق ليبيا، والسوداء لغربها، بينما وسط ليبيا المتمثل في مصراتة، فيختار البيضاء منها. ليبيا شعب مختلط من هويات متعددة: عرب وأمازيغ وكريت ويهود وأتراك وتبو وطوارق وألبان ومالطيون... وغيرهم، وكل هوية جلبت معها عاداتها وتقاليدها ولباسها وحليّها، لتمتزج كل العناصر التراثية في مزيج يعبر الآن عن الهوية الجامعة للبلاد. هذا المزيج الذي نرى مظاهره في اللباس، يختلف عما في البلدان المجاورة، وتحديداً تونس ومصر والجزائر وتشاد والنيجر ومالطا وصولاً إلى اليونان وتركيا وجنوب إيطاليا. غير أن الزي الليبي التقليدي لم يعد عملياً بعد انتشار الأزياء الأوروبية الحديثة، وحتى الأزياء الهندية والخليجية، كما أن كلفته عالية، فالنوع الجيد منه يُصنع يدوياً بواسطة النَّوْل من جانب حرفيين مهرة توارثوا المهنة عن آبائهم وأجدادهم، وتتركز أماكن محترفاتهم في المدن القديمة، كطرابلس وبنغازي. لكن هذه الأزياء، خصوصاً النسائية منها، مازالت تحتفظ بأهميتها ورواجها، فيزداد الطلب عليها في مواسم الأعراس. وما زالت الأسر الليبية تحرص على اقتناء هذه الملبوسات والحلي وتضعها في أولويات شروط العرس. إلى ذلك، يتزايد الطلب على تلك الأزياء التراثية من فرق الفنون الشعبية والمهرجانات ومنتجي المسلسلات والأفلام... وغيرها. تاريخ فني وتعد هذه الأزياء تاريخاً فنياً يرصد الحياة الاجتماعية والسياسية في ليبيا، فهي مثل البشر، تتلون وتواكب متطلبات العصر. وعندما دخل جهاز التلفزيون إلى ليبيا أواخر الستينات من القرن الماضي، حاك النساجون الليبيون التقليديون رداءً سمّوه «رداء التلفزيون» جرى التغني به حتى في الأغاني الشعبية الليبية. وتوالت مسمّيات الأردية تبعاً للحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، ومع عودة علم الاستقلال الليبي المؤلف من الأسود والأخضر والأحمر ومعها النجمة والهلال باللون الأبيض إلى سماء ليبيا إثر اندلاع «ثورة 17 فبراير» (شباط) 2011، ظهرت الأردية التي تحمل هذه الألوان «الاستقلالية» ولاقت إقبالاً كبيراً من الليبيين المناصرين للثورة، وسرعان ما اختفت من منصات العرض الأردية ذات اللون الأخضر الوحيد، والذي لا يسمح بأي لون آخر معه، واللون الأبيض أو لون الصحراء، ولون الجيش (البني والكاكي)، لتحل محلها أردية بألوان الثورة الثلاثة الزاهية والتي كانت محظورة زمن القذافي، كونها تمثل علم الملك وعهده الذي كان يصفه نظام القذافي ب «العهد البائد الرجعي المتعفن». وهكذا، ظهرت أزياء تقليدية جديدة بألوان الثورة وبتنويعات مختلفة، إذ برع المصممون في تصميم الأزياء الليبية التقليدية في أشكال حيوية مبتكرة. وسافر بعضهم إلى الصين لجلب هذه الأردية والمنسوجات وإطلاقها في السوق بأسعار متدنية تناسب من لا يستطيع اقتناء الأصلي والمحاك يدوياً بواسطة الحرير الطبيعي. كما دخلت هذه الألوان في «تلقيم» المصوغات الذهبية والفضية وزخرفتها. والسؤال المطروح اليوم: هل الأقمشة والحلي انشقت أيضاً عن النظام السابق كما انشق أنصاره والتحقوا بقطار الثورة التي انتصرت أخيراً؟ أم أن الأمر مجرد تجارة خاضعة لقانون العرض والطلب؟