يشابه هاشتاغ نشره الأسبوع الماضي الإعلامي موفق حرب على حسابه الشخصي على موقع «فايسبوك»، بين ما يقوم به تنظيم «داعش» من أجل تجنيد أعضاء جدد على صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع الدردشة على شبكة الإنترنت وبين ما تقوم به شركة «أوبر» الأميركية العاملة في قطاع تأجير سيارات التاكسي على منصتها الإلكترونية في الفضاء الافتراضي ودور الوساطة الذي تقوم به بين الركاب المفترضين وشبكة واسعة من الأفراد الباحثين عن فرصة عمل والراغبين في العمل سائقي تاكسي على سياراتهم الخاصة. يتسق ذلك تماماً مع المقاربة التي تنظر إلى «تنظيم دولة الخلافة «على أنه النسخة الإلكترونية الحديثة للإرهاب. فقد استفادت شركة «أوبر» التي تأسست في سان فرنسيسكو قبل نحو خمس سنوات من القفزات النوعية في التكنولوجيا الإلكترونية وتعاظم دور وسائل التواصل الاجتماعي. ومن خلال منصتها في الفضاء الإلكتروني نجحت «أوبر» في تأمين خدمة نقل أسرع وأرخص وأكثر أماناً. وفي فترة وجيزة حققت أرباحاً بلغت بلايين الدولارات وباتت تهدد باحتكار قطاع تأجير السيارات في أكبر مدن الولاياتالمتحدة. وعلى غرار «أوبر» ولد تنظيم «داعش» في العالم الافتراضي نفسه واستفاد من تجربة الثورة السورية مع وسائل التواصل الاجتماعي. ونجح في تقديم نفسه ممثلاً شرعياً للأجيال الجديدة من «الجهاديين» مستعيناً بما تقدمه وسائل التواصل الاجتماعي من خدمات اتصال وملاذات إلكترونية آمنة لإطلاق حملة دعائية ناجحة. ومثلما نجحت شركة «أوبر» في التقاط الخيط الذي يربط العالم الافتراضي بالواقع واستثماره في قطاع المال والأعمال كذلك فعل تنظيم «داعش» من خلال المواءمة بين الواقع وبين شعاره الافتراضي «قائمة وتتمدد» فأعلن عام 2014 قيام «دولة الخلافة «وسيطر على الموصل ومساحات واسعة من الأراضي السورية والعراقية ثم تمددت ولاياته إلى سيناء وليبيا ونيجيريا عدا باكستان وأفغانستان. الأرجح أن استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما في محاربة «داعش» أخذت أيضاً في الاعتبار هذا البعد الإلكتروني في ولادة هذا التنظيم وآلية عمله. وربما مرد رفع هذه الاستراتيجية شعار «نو بوتس أون ذا غراوند» أنها تعتقد أن قصف مواقع «داعش» من الجو وإلحاق الهزيمة به في العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي سيقودان حتماً إلى هزيمته على الأرض من دون الاضطرار إلى نشر جنود أميركيين على أرض المعركة في سورية والعراق. وفق هذه المقاربة دافع أوباما قبل ساعات من هجمات باريس عن نجاعة استراتيجيته ضد «داعش»، مشيراً إلى الحد من التمدد الجغرافي «لدولة الخلافة» واحتواء عناصر «داعش» في مساحة جغرافية بدأت تضيق عليه، ما يعني أن ركناً أساسياً من شعار «باقية وتتمدد» يتعرض للاهتزاز ما يمهد لاهتزاز صدقية الخطاب الأيديولوجي والإعلامي للتنظيم وبالتالي الحد من قدرتها المخيفة على تجنيد أنصار جدد على شبكة الإنترنت. في هذا السياق أيضاً نظرت الإدارة الأميركية إلى العملية الخاصة التي نفذتها طائرات أميركية وبريطانية ضد «جلاد داعش» حامل الجنسية البريطانية «الجهادي جون»، فمقتل الداعشي الأكثر شهرة في الغرب المعروف بلكنته الإنكليزية البريطانية وصوره وهو يذبح الرهائن الأميركيين والغربيين يعتبر نصراً إعلامياً كبيراً يلحق أضراراً كبيرة بصورة التنظيم وأيضاً بقدرته على تجنيد الشبان وخصوصاً في المجتمعات الغربية. ومن غير المستبعد أن يكون هذا الهاجس الأمني الأميركي تجاه الخطر الداعشي الإلكتروني جنب الأميركيين حتى الآن عمليات إرهابية مشابهة للهجمات الإرهابية التي شهدتها باريس وبيروت، أو التفجير الذي تعرضت له الطائرة الروسية فوق سيناء. فالرقابة الأميركية الإلكترونية تمكنت من إحباط العديد من الهجمات الإرهابية كان ينوي مناصرون ل «داعش» تنفيذها في الولاياتالمتحدة كما أفشلت هذه الرقابة توجه العديد من الشبان الأميركيين إلى سورية والعراق للقتال إلى جانب التنظيم. من دون أن ننسى الإشارة إلى أن هامش الأجهزة الأمنية الأميركية في مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي أوسع بكثير مما هي عليه الحال لدى أجهزة الأمن في الدول الأخرى، على اعتبار أن الشركات الكبرى المسيطرة على الفضاء الإلكتروني هي شركات أميركية وتخضع للقوانين الأميركية. والأرجح أن الكونغرس الأميركي الذي يدرس حالياً قوانين تتعلق بتنظيم العالم الافتراضي وحماية الخصوصية الإلكترونية سيفرض على شركات التواصل الاجتماعي التعاون في شكل أوثق مع الأجهزة الأمنية الأميركية التي تخوض حرباً إلكترونية ضد «داعش».