مر أسبوع على أزمة موقع «إسلام أون لاين» من دون أن يفهم المراقبون في شكل كامل تفاصيلها وحيثياتها. فعندما انتشر خبر إغلاق الموقع واعتصام الصحافيين المصريين في القاهرة احتجاجاً على وقفهم عن العمل بلا سابق إنذار تمهيداً لتسريحهم نهائياً من دون الحصول على أية حقوق، بدا الأمر كأنه تتمة أو خاتمة لعدد من البدايات المتشعبة التي لم يكشف عنها في وقتها. ذلك أن تعدد الجهات التي صدرت عنها تصاريح وتصاريح مضادة واختلاف وجهات النظر إن لم يكن تناقضها، أديا إلى تأرجح الفرضيات بين اعتبار المسألة مجرد وجه من أوجه الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على وسائل الإعلام وهو ما حدث في غير صحيفة وقناة عربية ودولية، وبين حياكة نظريات مؤامرة بطلاها مصر وقطر كدولتين تقربهما السياسة حيناً وتفرقهما أحياناً. وكانت الشرارة الأولى انطلقت الإثنين الماضي عندما أعلن نحو 350 صحافياً وإدارياً فى مكتب «إسلام أون لاين. نت» في القاهرة اعتصاماً مفتوحاً على اثر قرار للإدارة الجديدة في جمعية «البلاغ» القطرية المالكة للموقع والممولة له بنقل الإدارة والتحرير من القاهرة إلى الدوحة. وتم على الفور إلغاء كلمة المرور التي تتيح للمحررين والصحافيين والتقنيين المصريين الدخول إلى الموقع وتحديثه كما جرت العادة منذ عشر سنوات، هي عمر «إسلام أون لاين». ونقلت صحف مصرية عن عاملين في الموقع أن الإدارة الجديدة لجمعية «البلاغ» أرسلت محامين لتسلم مكاتب القاهرة، والتحقيق مع 250 عاملاً كانوا أرسلوا كتاباً للشيخ يوسف القرضاوي، رئيس مجلس إدارة جمعية «البلاغ»، يشكون الإجراءات التعسفية ضدهم. وفي الوقت الذي تحرك العاملون ميدانياً، فاعتصموا وأعلنوا إضراباً مفتوحاً ثم أصدروا بياناً تبرأوا فيه من المواد المنشورة في الموقع منذ وقفهم عن العمل، اتخذ القرضاوي خطوات إجرائية لتنفيس الاحتقان. فأقال مسؤولين وعيّن آخرين مطمئناً العاملين والمتصفحين معاً الى عودة الموقع قريباً. وتباينت الأسباب المعلنة من هذه الأزمة، وكان آخرها امتعاض رجال أعمال مساهمين في التمويل وينتمون إلى حركة «الإخوان المسلمين» من تناول بعض القضايا على الموقع ومنها مثلاً تغطية انتخابات المرشد الأعلى للحركة وتعيين شيخ الأزهر الجديد. وقد لا يخلو ذلك من بعض الصحة. فالاتهامات المتبادلة على المواقع الإلكترونية والمدونات الشخصية لصحافيي «إسلام أون لاين» تشير إلى تجاذب واضح بين تيارين إسلاميين سياسيين. فالموقع الذي يعرف عن نفسه بأنه صوت الإسلام الوسطي تعرض لهجمة شرسة متعددة المصادر. أولاً هناك من اتهمه بالابتعاد عن الخط الإسلامي الصحيح لأنه ينشر صور نساء سافرات فيما لم يول أزمة المسجد الأقصى حقها من التغطية. لكن في المقابل ثمة من اتهمه أيضاً بالمبالغة في التدخل بالشؤون السياسية وتصدر مسائل فلسطين والعراق واجهة الأحداث بحيث ابتعد الموقع عن دوره الدعوي لمصلحة دور أكثر نضالية. لذلك وعندما أعلن الصحافيون المصريون اعتصامهم، نشرت الصفحة الأولى من الموقع مقالات ومواضيع اجتماعية غير حدثية، وأوقفت زاوية «الرأي» والموقع الشبابي الرديف «عشرينات». لكن العاملين في الموقع يردون بأنه على العكس من ذلك، تعرضوا لتضييق مهني في مسألة الأقصى ومنعوا من تغطيتها بالشكل الذي يرضيهم. وأدت تلك الشرذمة كلها إلى شيوع كلام من نوع «صفقة» قطرية - أميركية تقضي بإسكات الموقع المثير للجدل، في مقابل رفع اسم الشيخ القرضاوي عن اللائحة السوداء الأميركية. والواقع أنه لا يمكن الجزم بصحة تلك الاتهامات أو عدمها كونها كلها سيناريوات قابلة للتصديق بمقدار ما هي قابلة للنقض. فإذا كان الموقع فعلاً مكاناً للخطاب الإسلامي الوسطي، ما المصلحة في إسكاته في وقت تتعرض قطر لضغوط بسبب قناة «الجزيرة»؟ فإذا كانت تمول موقعاً وسطياً ذلك يعني أنه نقطة قوة في سجلها في مقابل «تهمة» تحاول درءها هي الجمع تحت سقف واحد بين «الجزيرة» وخطابها التعبوي وسياسة خارجية غير معادية لأميركا. ولعل في المسألة تنافساً قطرياً (من حيث التمويل) مصرياً (من حيث التوجه) على إدارة وسيلة إعلامية باتت تجتذب أعداداً كبيرة من المتصفحين هي موقع «إسلام أون لاين». فعندما تم تمويل القرضاوي لإنشاء الموقع قبل عشر سنوات، كانت هناك حاجة مختلفة عن حاجة اليوم لهذه الوسيلة الإعلامية. وخلال تلك السنوات، لم يختلف المضمون عن الشكل ولا جاء الخطاب مختلفاً عن مصدر التمويل خصوصاً أن الموقع صار وسيلة حقيقية لإسماع صوت مسلم للعالم الخارجي عبر خدمة اللغات المختلفة التي يقدمها. وجاء ذلك في وقت منع بث قناة «الجزيرة» في الخارج، فجاء «إسلام أون لاين» ليردم هوة بين المسلمين العرب والمسلمين في المهاجر ويلبي حاجة فعلية للتبادل في قضايا دينية وسياسية على حد سواء. أما في الفترة الأخيرة، فربما ما عاد التباين بين الخط المصري والخط القطري في إدراة دفة السياسة يحتمل وسيلة إعلامية بهذه القوة تنحاز لغير مموليها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل فلسطين والعراق. لكن هناك أيضاً احتمالاً آخر لم يتم التطرق إليه في شكل واف وهو الطلب الأميركي في تجفيف تمويل الجمعيات الإسلامية منذ انطلاق «الحرب على الإرهاب» وهو طلب لبته دول كثيرة في المنطقة ولا سبب في أن يمتنع عنه الممول القطري. تلك كلها محاولات لتفسير أزمة «إسلام اونلاين» التي تحتمل الخطأ والصواب، وهي أزمة من المرجح ألا تنكشف لنا خباياها كلها. لكن يبقى إنها مثيرة للاهتمام. فهي ربما المرة الأولى في عالمنا العربي التي لا يكون للرقابة الرسمية المباشرة دور في إسكات وسيلة إعلام. لمرة، هي ازمة تجمع السياسة والمال والإيديولوجيا ويكون فيها مقص الرقيب بريئاً...