يبدو أن جيل الشباب بدأ بالانسجام مع الكوارث الطبيعية، التي ليس لها موعد ولا مكان، بتجنيد مواهبهم واهتماماتهم التي قد لا تكون مقبولة لدى الكبار، نظراً إلى خطورتها وصعوبة أدائها. وفي جدة؛ نشر مجموعة من الشباب «بوستر» عليه صورة سيارات من الدفع الرباعي، مصحوباً برقم جوال وإعلان من سطرين، يقول فيه: «في حال علقت سيارتك أو احتجزت لا تتردد بالتواصل مع المتطوعين»، مع توجيه نداء لكل سيارات الدفع الرباعي لإنقاذ المحتجزين في الأمطار. ودفعت كارثة جدة عام 2009 شباناً إلى إنشاء مجموعة لأصحاب سيارات «الجيب» والدفع الرباعي، بعد رؤيتهم محتجزين في سيارات علقت في مياه الأمطار. وكرس الشاب طارق العبدالله كل جهوده في جمع الشبان من هواة «التطعيس»، وتحويلهم من ممارسة نشاطهم على «اليابسة» بين الرمال، إلى جعل هواياتهم مهمة إنسانية بين شوارع جدة في المياه بسياراتهم المجهزة للتحديات الصعبة. وقال العبدالله ل«الحياة»: «أعلنا الاستنفار منذ ثلاثة أيام، وبلغنا أفراد المجموعة، وكان التفاعل كبيراً والأعداد كانت كثيرة، خصوصاً المرضى الذين يعانون من أمراض الضغط والسكر من الكبار في السن، وآخرين محتجزين في منازلهم تسللت إليهم المياه، أو في سياراتهم في طرق جدة الفرعية والرئيسة»، مشيراً إلى أنهم يحاولون جمع أكبر عدد «لنوزع بينهم المهام، فكل شخص يبقى في منطقته، وفي حال وردنا اتصال نوجهه إلى أقرب حالة طارئة منه». وأضاف الفريق إلى مهماتهم في الإنقاذ والمساعدة، طلب بعض المتعثرين في شرق جدة من منطقة أبرق الرغامة، خصوصاً بعض الأسر، المساعدة خصوصاً في ما يتعلق بالمأكولات والمشروبات والأدوية، مؤكداً أنهم يولون كبار السن ومرضى الفشل الكلوي، الذين يصعب عليهم تأخير مواعيدهم، «الأولوية في العناية والمساعدة، ثم يأتي بعدهم السيارات التي احتجزها الماء، وفيها أطفال لا يحتملون الانتظار لساعات طويلة، إذ يتم الوصول إليهم بأقصر الطرق من طريق تطبيقات الهاتف الذكية، سواء أكان «غوغل ماب» أو «جي بي اس». ولفت إلى حرصهم في عدم التسبب في فوضى، مثل السرعة الجنونية أو عكس الطرق، عند محاولة الوصول إلى المحتاجين إلى المساعدة. ويستمر الشباب، من طريق مواقع التواصل، في تصوير الشوارع المغلقة أو المتضررة في شكل كبير، وتداول الصور حرصاً على السلامة، وتفادياً لأي حادثة قد تخلف أضراراً مادية أو بشرية. وتبقى المساجد وأبواب منازل أهل جدة مفتوحة، لمتعثر يصعب عليه الوصول إلى غايته، في صورة تعكس روح التآخي ومعنى التطوع الحقيقي لمدينة يعود تاريخها إلى 3000 عام، ويسكنها نحو 3.5 مليون نسمة، إلا أن مياه الأمطار أغرقتها في يوم واحد.